ثلاثون عاما على الانتصار اليتيم

TT

هذا الشهر يسجل ذكرى العقد الثالث من حرب العبور، التي كانت عبورا نفسيا قبل ان يكون عبورا الى الضفة الشرقية من سينا المصرية المحتلة، المتحصنة وراء خط بارليف. كانت، بلا شك، هزيمة للفكر العسكري الاسرائيلي الذي ظن منذ عام 1948 ان سلام القوة وحده القادر على توسيع دولة اسرائيل وضمان امنها.

لكن الحربين لم تحققا كل الغرض الذي شنتا من اجله، فلم تهد مكاسب 67 امنا لاسرائيل، ولم تمنح مكاسب اكتوبر 73 فكرا سياسيا عربيا عاقلا يقدر المخاطر ويتعظ من اخطائه وينقل هذه الأمة المأزومة دائما الى مرحلة خارج اطار هذا الصراع الذي كبل عقلها وامكانياتها. فقد استمر الاسرائيليون يحلمون بأن ينسى الفلسطينيون ارضهم في الضفة وغزة واستمر غوغاء العرب يقودون امتهم من مأزق الى آخر.

اكتوبر كانت حربا ضرورية لضرب العقلية الاسرائيلية المتعالية والبرهنة على ان الانتصار العسكري مسألة مؤقتة دائما، بما في ذلك الانتصار الساحق الذي حققته في 67. كانت اكتوبر، ضرورة لرد شيء من الاحترام والثقة للجانب العربي، وردت بالفعل الثقة على الأقل لرجل واحد قدر النتيجة جيدا. كان الرئيس الراحل انور السادات محقا ودقيقا في قراءته لكن اهله ظلموه ولا يزالون حتى هذا اليوم، حسب نتائج اكتوبر سياسيا، لا بالامتار او بالدبابات المحروقة. اسرائيل، بدل ان تراجع موقفها السياسي الخاطئ عاقبت رئيسة وزرائها، جولدا مائير، التي قبلت استقالتها بعد ستة اشهر من الهزيمة، كما تراجع موشي دايان، الاسطورة وبرئ من مسؤولية الهزيمة بدعوى انه كان وزيرا مدنيا للدفاع وبالتالي لا يحاسب على نتائج ميدان المعركة.

المعركة السياسية، لا العسكرية، كانت الاهم والأصعب والأخطر. اكتوبر منحت العرب شيئا من الثقة في النفس، حيث خطت مصر، وفعلت سورية الشيء نفسه، خطوة باعادة العلاقات مع الولايات المتحدة، مدركتين ان المصلحة تقتضي عدم تركها لاسرائيل، وتدخل الاميركيون في المقابل في مفاوضات فك الاشتباك لتتراجع القوات الاسرائيلية على الجبهتين ويبدأ العمل في تنظيف قناة السويس.

السادات اراد تحويل الانتصار المتمثل في عبور الجدار الاسرائيلي المستحيل الى عبور سياسي وفتح خطوطا علنية وسرية من اجل التفاوض، وعندما يلومه البعض على الصلح الذي وقعه ينسون حقيقة انه لم يكن البادئ بالتفاوض، بل اكمل مشوار الراحل عبد الناصر التفاوضي مع المبعوث الاميركي روجرز، وينسون الزمن الفاصل الطويل اربع سنوات بين العبور وخطابه الشهير الذي تحدى فيه الاسرائيليين بانه اصدق منهم في رغبته في السلام. ولا شك ان ماكينة الدعاية التي خربت العالم العربي اربعين عاما هي التي شوهت صورته وزورت تاريخه. وبدل ان يفاخر العرب بزعيم مثله، الوحيد الذي قاد مواجهة مخططة، لا انتحارية مغفلة، والوحيد الذي غامر بنفسه من اجل استعادة ارض بلده السليبة، دمرت مكاسبه على ايدي العرب الذين لم يتوقفوا قط عن وضع هذه الامة في شقاء دائم تحت شعارات براقة مزيفة.