التذكير والتأنيث

TT

من المشاكل التي كثيرا ما نوقشت في دنيا الادب والطرب العربي، الاشارات الى الذكور فيها. يكثر ذلك بصورة خاصة في اغاني المقام العراقي.

هل هي اشارات غلمانية وممارسات مثلية؟ الرأي السائد ان اكثرها جاء من باب التستر على المرأة. وهو شيء كنا نفعله في الصبا كنا نتحدث عن بنت الجيران فنقول «ذاك الرجال» او «ذاك الولد» لئلا نفضحها ونفضح انفسنا في هذا الهوى الصبياني البريء. كذا فعل الشعراء والمطربون. تسمعهم يقولون «يا لشوقي له» ويقصدون لها.

انني مفطور على المعاكسة. ومن ذلك انني مؤخرا اصبحت افعل عكس ذلك تماما. فأشير الى الانثى وأقصد الذكر. ويظهر ان بعض المثقفين العرب الساذجين صدقوني. تصورني بعضهم بأنني دون جوان او اطمح لأكون دون جوان. دون جوان في الثالثة والسبعين!

المعاكسة ليست مصيبتي الوحيدة. مصيبتي الاخرى هي انني اصر على مواصلة هذا المسعى الفاشل، وهو محاولة الارتقاء بمجتمعنا العربي من غياهب القرون الوسطى الى حياة القرن الواحد والعشرين، وهذه محاولة فاشلة مسبقا لأن شعوبنا، بمن فيها من المثقفين لا تريد ذلك. انها سعيدة وراضية بما عندها. اعرف ذلك ولكن رغم معرفتي هذه اواصل هذا المسعى المزعج واللادمقراطي. فعلي ان احترم ارادتها.

في اطار هذه المحاولة، عمدت الى التأنيث بدل التذكير. رحت اقول، حدثتني احدى صديقاتي فقالت لي كذا وكذا. وهو ما يصبغه الصحافيون الآخرون الحكماء بقولهم حدثني أحد الاصدقاء. لماذا يكون المتحدث دائما رجلا؟ الا توجد امرأة عندها شيء تقوله؟ الا توجد سيدة لها رأي ينبغي سماعه؟

ولماذا هذا الظن الآثم الذي حذر منه القرآن الكريم.

ما هذا الدماغ الوسخ الذي يفترض الوساخة في اي اشارة الى «صديقة»؟ قضى اكثر المثقفين سنوات جامعية طويلة في الداخل او الخارج في تعليم مختلط. ومارس اكثرهم مهنا ووظائف تتضمن الاختلاط مع الجنس الآخر. اليس من الشذوذ الا تنشأ منها علاقة صداقة مهنية بريئة؟

آسف. انني من المؤمنين بأن العصرنة والنهوض والتنمية تتطلب مشاركة المرأة في جهود الوطن واعطاءها مكانتها كانسان ناضج صاحب ارادة ورأي وحقوق. بالطبع انا لست مشرعا لأصدر قوانين في هذا الصدد ولا انا ارهابي معصرن لألج بيوت الناس واخرج نساءهم من خدورهن. هذه عملية عضوية تدريجية درجت على المساهمة فيها بزج المرأة في حكاياتي وتعليقاتي واعتمادي صيغة التأنيث في الكلام، ربما سأخيب ظن الكثيرين والكثيرات بقولي ان ثلاثة ارباع ما رويته في هذا الصدد من حكايات او اشارات ليس له اي نصيب من الصحة. فتات من نسج الخيال! كذب في كذب! ولكنه كذب له ما وراءه من حسن النية وشرف المقصد. انني اريد ان اضع المرأة على الخارطة.

علي ان ألقي محاضرة بعد ايام قليلة على جمع لندني مختلط. ارجو الا يبادر المثقفون العرب فيتهموني بالتعرض للنساء والتحرش بهن عندما سيكون علي ان ابدأ كلامي فأقول: «سيداتي، آنساتي، سادتي».