صباح امس، وانا اسبح في ذلك الفراغ الزمني الفاصل بين اليقظة والنوم، رن الهاتف قرب رأسي، مددت يدي لكي أعثر على السماعة. «هالو.. وهاب.. أتسمعني. انا جودت». (احد افراد العائلة في كركوك). كان متحمسا في دعوتي لزيارة العراق، وعدد لي اسماء اصدقاء واقارب في بلاد مختلفة زاروا كركوك اخيرا، فاجبته ببرود انه ليس بالوقت المناسب لمثل هذه الزيارة. ربما في المستقبل. فكان هذا الحوار.. (من طرف واحد تقريبا):
ـ أبدا.. كل شيء اعتيادي. تصور يا وهاب لأول مرة ننعم بماء جار في الحنفيات باستمرار.. وكهرباء لا تنقطع. هل تعرف اننا الآن نشاهد قنوات الـ«بي. بي. سي»، والـ«سي. إن. إن» وغيرهما. هذا في الوقت الذي كان محظورا علينا شراء هوائي للتلفزيون ايام «وحدة..حرية..اشتراكية»، العراق الآن مخزن كبير تستطيع ان تشتري فيه ما تشاء. الأميركيون منحوا تسهيلات 50 ألف دولار لكل تاجر عراقي ليستورد البضائع من اي مكان من دون قيد او شرط. الأسواق ممتلئة بما تشاء. تصور حتى الكتب والأفلام والمجلات الجنسية. انها حرية حقيقية.
انهم فتحوا المجال للمؤسسات والبنوك الأجنبية لكي تعمل في العراق بحرية. التجار يستوردون من دبي اشياء كثيرة. شغل كثير.. عمالة مطلوبة في كل القطاعات. نورالدين انشأ ورشة في كركوك لاستيراد اجزاء الكمبيوتر لتجميعها، انه يسافر دائما الى دبي ويجلب البضائع من هناك. انه رجل ثري الآن ما شاء الله. هل تتذكر «مخزن رشيد» قريبا من بيتنا في صاري كهية، انه اشترى ذلك المبنى واقام عمارة حديثة مكانه قبل سقوط صدام حسين. رأيت قبل ايام صديقك جليل القيسي (كاتب عراقي من كركوك). لقد شاخ.. انه يبلغك تحياته كثيرا. ليتك تأتي لتراه ويراك. عصمت (ابن اختي) سيصل بعد يومين من تركيا.. انه يريد فتح مشروع صغير في العراق. قال لنا في المرة السابقة انك تريد بيع شقتك في تركيا. فكرة جيدة. اشتري بيتا في كركوك. الأسعار بدأت ترتفع. أمس طرحوا الدينار العراقي الجديد، انه جميل جدا. لقد تخلصنا من العملة الكريهة. عمر (ابن اخي) وصل من استراليا قبل ايام وهو ينوي قضاء رمضان معنا. لقد جاء من دون زوجته واطفاله، يبدو ان ذلك يكلفهم كثيرا.. عنده اطفال في المدارس. عزالدين (ابن اخي الآخر) سيأتي من المانيا بعد ايام. تعال ياأخي.
* أليس.. هناك خطورة في دخول العراق؟
ـ ابدا. دخل ابن اختك عصمت عدة مرات من ادنة (جنوب شرق تركيا) حتى كركوك.. لا أحد يسأل منك اي شيء. صديقك صلاح الآن في كركوك.. ايضا دخل عن طريق تركيا قادما من لندن. الأهل يدعونه الى الغداء او العشاء كل يوم. انه سعيد بزيارته. سيتحدث اليك بالتفصيل حين عودته الى لندن. لا تأتي عن طريق سورية او ايران، هناك مشاكل في الدخول اليهما والخروج منهما. تعال عن طريق تركيا. تشجع يا أخي.. تعال.
* آسف.. في الفترة الأخيرة لم ابعث أية معونة مالية لكم؟
ـ ابدا.. لا تفكر في هذا الموضوع.. لدينا ما يكفينا واكثر. الفلوس كثيرة الآن.. الكل يشتغلون. هل تزوجت؟ أووه. لا ادري ماذا اقول لك.
* لكن الأخبار تورد اشياء كثيرة عن الانفجارات والقتل وفلتان الأمن؟
ـ يا أخي كذب.. هناك حوادث في بغداد والرمادي.. في تلك المناطق. كركوك آمنة جدا. حتى في تلك المناطق هناك مبالغة في نقلها. ماذا تتوقع من ناس خسروا الحكم والامتيازات. مقاومة؟ مقاومة ماذا؟ الكل ممتنون للأميركان والإنجليز. والله نحن ممتنون. طبعا يطلع كم مجرم يقتل ويخرب. اربعون عاما من السجن والاضطهاد.. فجأة حرية. طبعا تصير تجاوزات. ماذا تتوقع. مقاومة؟ كلام فارغ. تعال.