التسخين الحراري وحيرة العلماء

TT

آخر صور الاقمار الصناعية اظهرت ان الغطاء الجليدي في المناطق القطبية الشمالية والجنوبية آخذ في الترقق، لا بل في الذوبان بسبب ظاهرة التسخين الحراري للارض، رغم ان نصف الكرة الشمالية من الارض بات على ابواب الشتاء. وسيتأتى عن ذلك في العقود المقبلة طبعا ارتفاع مستوى مياه البحر والمحيطات واكتساح المياه للعديد من الجزر والاراضي المنخفضة في العالم، مع المئات من الذيول والعواقب الاخرى التي قد يدركها الانسان او لا يدركها.

كما لوحظ في السنوات الاخيرة، استنادا الى خبراء الطبيعة ان الطبقة الجليدية في المناطق الشمالية، كألاسكا واجزاء من كندا وروسيا وغيرها، آخذة في التفكك والتحول الى ثلوج رخوة ووحول ومستنقعات راكدة، مما غير في طبيعة المنطقة وادى الى القضاء على العديد من اشجارها ونباتاتها المميزة، اذ ثمة مساحات كبيرة من الغابات اخذت تتقصف اشجارها وتنهار في المياه التي تكونت بفعل ذوبان الجليد، التي شكلت بدورها بركا عميقة في الارض، مما جعل اعمدة خطوط الهاتف الواقعة على جانبي الطرق تتزحزح بسبب طراوة الارض التي لم تعد تتحمل ثقلها، وبالتالي اخذت تميل هي والاشجار في ظاهرة اطلق عليها العلماء اسم «الغابة الثملة»، اما شبكات الطرق فقد تموجت وتقطعت بالصدوع والشقوق.هذا الدفء النسبي على ضآلته في تلك المناطق فعل ما فعل، وزاد على ذلك بأن جعل الحشرات هناك تتكاثر بسرعة كبيرة، فأخذت بدورها تنخر ما سلم من هذه الاشجار. والحديث عن الاشجار والغابات، التي هي رئة الارض التي بواسطتها تتنفس، يجرنا الى الاشارة الى الحرائق الهائلة التي تشتعل الآن في ولاية كاليفورنيا الاميركية والتي اندلعت بسبب الحرارة العالية التي ترفض ان تنخفض رغم بوادر فصل الشتاء. واذا اضفنا الى هذه الخسائر ما يحصل اليوم في الغابات المطرية والاستوائية ايضا من مجازر متعمدة لرأينا الكارثة الكبرى التي نتجه اليها حتما، خاصة ان الاشجار هي الاداة الوحيدة التي تلطف من وطأة غاز ثاني اوكسيد الكربون الذي تطرحه المعامل والمصانع بسبب حرق الوقود الحجري، وذلك عن طريق امتصاصه وطرح غاز الاوكسجين مكانه. ولنعد الى موضوعنا الاساسي وهو ان العلماء يختلفون الآن حول مدى ارتفاع معدلات الحرارة في مختلف مناطق الارض. فالبعض يقول ان معدل الزيادة على نطاق الارض كلها خلال القرن العشرين هو درجة واحدة فهرنهايت، او اكثر بقليل، في حين تقول مصادر جامعة الاسكا ان الزيادة في المناطق الشمالية وحدها بلغت خمس درجات في السنوات الثلاثين الاخيرة.

كذلك يختلف العلماء حول التوقعات المستقبلية ايضا.

ـ اذ ان مجموعة كبيرة منهم تتوقع زيادة في المعدلات تبلغ درجتين الى ست درجات فهرنهايت في القرن المقبل، في حين حدد البعض الثاني الزيادة في حدود 3.5 درجة. الاختلاف الآخر بين هؤلاء العلماء حصل ايضا.

ـ قبل خمس سنوات بعدما اظهرت الاقمار الصناعية ان المساحات الجليدية في القطبين الشمالي والجنوبي وثلوج المناطق المحيطة بهما لم تخسر شيئا من مساحتها رغم ترقق غطائها، ورغم الارتفاع الملموس في درجات الحرارة. الزيادة المسجلة في ارتفاع مستوى مياه البحار والمحيطات. وعزا العلماء ذلك الى ان زيادة الحرارة هذه تؤدي الى تمدد مياه البحر لا الى ذوبان الجليد والثلوج.

لكن الصور الفضائية الاخيرة اثبتت بالدليل القاطع انحسارا ملموسا في رقع المناطق الجليدية مما يعني ان التسخين الحراري شرع يترك آثاره وبصماته السلبية. المهم الآن ان يتفق العلماء على ماذا سيكون مناخ الارض في العقود المقبلة، هل ستكون هناك اعاصير مستمرة، كما نشهدها حاليا على السواحل الاميركية، والتي تصاحبها في غالب الاحيان فيضانات وكوارث؟ وهل ستستمر موجات الجفاف التي تضرب الآن مناطق عديدة من العالم التي ستكون نتيجتها الحتمية التصحر واتساع رقعة الاراضي الجرداء؟

ان آخر التقارير في هذا الشأن اشارت الى تمدد الصحراء في القارة الافريقية بمعدلات عالية جدا، لكن هناك سؤالا يطرح ذاته بإلحاح، وهو هل ان موجة الدفء التي يختبرها العالم بشكل عام ستنعش الزراعة وتحول العالم الى رقعة خضراء يانعة؟ لا احد يدري، الا ان 80 في المائة من العلماء حسب الاحصاءات الاخيرة غير مستبشرين بما يحصل. وهنا بيت القصيد.