صديق دمشق هو من صدقها

TT

دعنا نبدأ بأربع مقدمات أولية مدخلا للاجابة:

أولا: سوريا العزيزة على نفوسنا بحاجة في لحظة الحقيقة الى من يصدُقها القول. وإذا كان من حق سوريا علينا ان نناصرها، فواجب النصرة يلزمنا بالمصارحة.

ثانيا: ان السياسة السورية التي أرسى دعائمها الرئيس الراحل حافظ الأسد تقوم على ركائز أساسية: الواقعية والبراجماتية وضبط الاعصاب والتراجع في اللحظة التي تستوجبه، فلا يحق لأحد ان يزايد على الموقف السوري، ومن يده في الماء غير من يده في النار.. فليلتزم مدمنو الهزائم حدودهم ويكفونا صراخهم وعويلهم.

ثالثا: ان الحكومة السورية بقيادة رئيسها الشاب بشار الأسد، صاحب الافكار الاصلاحية، سائرة في طريق الاصلاح الداخلي، وهو أمر محل تقدير، ونرجو ان تتسارع عمليات الاصلاح السياسي لتبني التعددية بديلا عن الحزب الواحد الذي يثبت فشله، وعمليات الاصلاح الاقتصادي لجذب المزيد من الاستثمارات والتنافس الحر. وسوريا ولله الحمد لها ماض عريق في التجارة الحرة، وتجارها ينتشرون في كل قارات العالم.

رابعا: لا تاريخ استعماريا بين سوريا واميركا، واذا كانت فرنسا وبريطانيا احتلتا الاراضي العربية، فإن الموقف الاميركي كان ايجابيا، وكثيرا ما التقت مصالحها ومصالح العرب كما في 1956 مع مصر، ومع السعودية والخليج والاردن والمغرب ومع الكويت والعراق، واذا كان موقفها في القضية الفلسطينية لا يزال ظالما فهذا جزء من مكونات العلاقة لا كلها.

بعد هذه المقدمات الاربع اقول: إن (قانون محاسبة سوريا) قانون ظالم، وواجبنا جميعا مساندة سوريا، ولكن ليس بالطريقة العربية المعتادة، ليس بأسلوب الشجب والادانة واللجوء الى المحافل الدولية، ثم مطالبة سوريا بالتصدي ومناطحة اميركا، إذ لا يثمر ذلك إلا مزيدا من التوريط والمشاكل، وتغذية نزعة العداء لاميركا مباراة نحن الاخسرون فيها. نعم هناك هجمة شرسة، وعلينا مواجهتها بعقلانية وتبصر، ومن دون (التفريط) في الاستقلال أو الكرامة أو الاستسلام والتنازل عن الثوابت.

لتكن استجابتنا للتحدي حضارية وقائمة على مرتكزين:

1 ـ الحوار الداخلي الذي يهدف الى تقوية البناء الداخلي: السياسي والاقتصادي والتعليمي والعلمي والتكنولوجي، والذي يحقق المناعة الداخلية ويغير موازين القوى لصالحنا. هذا الحوار الداخلي بين التيارات السياسية والسلطة يهدف الى زيادة التماسك والتلاحم والتفاهم ويساعد على تسارع عمليات الاصلاح الشاملة.

2 ـ الحوار الخارجي مع اميركا لندخل معها في جدل حول مطالبتها أو اتهاماتها لسوريا المتمثلة في:

أ ـ دعم حركتي حماس والجهاد وحزب الله.

ب ـ منع تسلل العناصر عبر الحدود العراقية السورية لزعزعة الاستقرار.

ج ـ التواجد العسكري في لبنان.

اقول بكل صراحة ـ وصديقك من صدقَك ـ لا مصلحة حقيقية لسوريا في كل تلك الأمور: إذ كيف لاقلية من فصائل متشددة ان ترهن القرار الفلسطيني لعملياتها؟ وما مصلحة سوريا ان تبقى رهينة سياسة تلك الاقلية؟ ولا مصلحة مباشرة لسوريا في دعم حزب الله وبخاصة بعد ان تحرر الجنوب اللبناني، بل ومن مصلحة سوريا ان ينعم العراقيون بحياة كريمة بعد طول معاناة، وسوريا احكم وأذكى من ان تصدق ان هناك مقاومة وطنية. كذلك فمن مصلحة سوريا (الشقيقة الكبرى) ان لا يثير وجودها العسكري في لبنان أية شبهة تدخل، لذلك عليها ان تقطع الطريق امام المزايدين بأن تكون مبادرة الانسحاب منها.

لذلك أرى ان على سوريا ان تدخل في حوار جاد مع الادارة الاميركية لحل المشكلات العالقة بمنتهى الشفافية والشجاعة، بعيدا عن الكلام الفارغ الذي ينادي بأنه لا خيار أمام سوريا إلا المزيد من التحالف مع الفصائل المتشددة، يجب ادراك حجم التغييرات بعد 9/11 وسقوط صدام واختلال موازين القوى، فسوريا جزء من ارضها محتل، وهي صاحبة الحق في استرداده بأي ثمن حتى لو تخلت عن الأمور محل الاتهام في سبيل تحسين العلاقات مع القوة الاعظم. لا نقول ذلك من أجل أحد، ولكن من أجل سوريا نفسها.

* كاتب من قطر