اختباران ناجحان لمجلس الحكم العراقي

TT

في اختبارين رئيسيين على صعيد العلاقات الخارجية اظهر مجلس الحكم العراقي انه يتصرف باعتباره هيئة وطنية مسؤولة تذود عن سيادة العراق التي فرط بها صدام حسين وجعلها مستباحة لكل من هبّ، وتصون كرامة العراقيين التي هدرها صدام وصيّرها منتهكة من كل من دبّ. الاختبار الاول كان في اتخاذ مجلس الحكم موقفا موحدا صلبا وراسخا برفض استدعاء قوات تركية ومن أي بلد مجاور آخر، مناهضا بذلك رغبة اميركية قوية لم تزل قائمة. وما كان يمكن للمجلس، ولن يكون بإمكانه أن يقبل بدخول قوات من أي من الجيران، لأنه بذلك سيكون اسوأ من صدام نفسه. فمعظم جيران العراق لهم اطماعهم واجنداتهم الخاصة ـ وبعضهم لا يني يحلم بتنفيذ أحلام ومخططات شريرة ـ وأحداث الأشهر الاخيرة، واخرها اجتماع دمشق، قدمت البرهان تلو البرهان على هذا. والقبول بدخول القوات التركية، أو أي من الجيران، الى العراق ومرابطتها فيه كان سيعني وضع العراق على حافة الهاوية.. هاوية التمزيق وتقطيع الاوصال والحروب الاهلية.

أما الاختبار الآخر الناجح فهو الامتناع عن قبول الدعوة غير اللائقة ،شكلا ومضمونا، التي وجهت الى وزير الخارجية هوشيار زيباري للمشاركة في اجتماع دمشق. وبغض النظر عمن يقف وراء سقطة دمشق الدبلوماسية فانه كان من الحكمة والوطنية ان يرفض الوزير العراقي ومن خلفه مجلس الحكم الدعوة، لأن القبول بها كان سيجعل من الوزير زيباري الذي كان سيصل فاحطا الى العاصمة السورية سيبدو في حال تشبه حال الكرام على مائدة اللئام، كما يقول المثل العربي المأثور.

القبول بالدعوة الصادرة من دمشق، بشكلها غير المناسب وتوقيتها غير الملائم، كان سيعني ان مجلس الحكم يرضي باستضعاف العراق الجديد واستصغار شأنه وتجاوز ارادته ليس فقط من جيرانه وانما ايضا من سائر الدول والاطراف، بما فيها قوة الاحتلال الاميركي ـ البريطاني التي يخوض المجلس، ومعه اغلبية الشعب العراقي، صراعا مستترا ومكشوفا من اجل ان تلزم حدودها وتوقف تجاوزاتها وتصرفات سلطتها وقواتها الخاطئة التي ـ الى جانب تدخلات بعض الجيران في الشؤون الداخلية للعراق وسعيهم لتحويل الاراضي العراقية الى ساحة لتصفية حسابات لهم، حقيقية او متوهمة، مع الولايات المتحدة او مع بعضهم البعض او مع اطراف عراقية ـ تحول دون احلال الامن والاستقرار في البلاد وتعرقل انطلاق عملية انتقال العراق الى عهد الديمقراطية والاعمار.

ومن الواضح ان تركيا وايران كان لهما الدور الاكبر في التصرف الخاطئ الذي حدث في دمشق، وهذا امر يدرك العراقيون اسبابه ودوافعه. لكن ما استغربه العراقيون واحبطهم الا تتصدى سورية لهذا والا تتخذ موقفا ينسجم مع الموقف الصحيح الذي اتخذته الكويت والاردن والسعودية. فسورية هي من اكثر دول الجوار العراقي التي لها مصلحة في استقرار العراق اليوم قبل الغد، وفي معافاة الوضع العراقي على نحو عاجل، ذلك ان سورية كونت لنفسها في الماضي رصيدا كبيرا بين العراقيين حل الان بالذات اوان استثماره. لم يكن مقنعا للعراقيين ما قاله بعض المسؤولين السوريين من ان عدم توجيه الدعوة الى بغداد في الوقت المناسب والشكل اللائق كان سببه ان بغداد لم تكن مشاركة في الاجتماعين السابقين. فبغداد الحالية لا تشبه بغداد السابقة لكي تعامل بالاسلوب نفسه. وفي الاساس فان بغداد صدام حسين هي صانعة المشكلة التي انعقد بسببها الاجتماعان السابقان والاجتماع الاخير، وهي لم تكن تريد الا حلها هي لهذه المشكلة، وهذا ما حال دون مشاركة بغداد صدام في الاجتماعين السابقين. اما بغداد الحالية فهي الضحية الاولى لسياسة بغداد القديمة، وكان من حقها ومن واجب جيرانها، وخصوصا العرب، ان يعملوا معها للخروج من المأزق الذي ورثه الجميع من تلك السياسة، وهو مأزق اذا لم يتعاون جيران العراق، وخصوصا العرب، مع بغداد الآن بصدق ونزاهة وهمة عالية فانهم سيدفعون ثمنه آجلا ان لم يكن عاجلا. وعلى اية حال ورغم حال الشعور بالمرارة تجاه ما حصل اخيرا فان غالبية العراقيين، على ما اظن، مرتاحة لموقف مجلس الحكم في كلا الاختبارين. والمنتظر الآن ان يحقق المجلس نجاحا مماثلا في اختبارات الشؤون الداخلية، وهي كثيرة واكبر اهمية.

[email protected]