بوش بين تجويع الوحش وبخل الدولة

TT

نظرية التآمر السخيفة عن ادارة بوش بالأمس قد تنقلب الى حكمة تقليدية اليوم. هل تذكرون حين سخر بعض الناس من الذين ادعوا ان ديك تشيني وبول وولفويتز، التواقين للحرب، كانا يضخمان التهديدات العراقية؟

ومهما يكن من أمر، فان العديد من المحللين يقرون ان الادارة لم يكن لديها اي نية في اتباع سياسة مالية مسؤولة تقليدية. على العكس، فان تقليص الضرائب كان دائما يقصد منه تنفيذ الاستراتيجية الجذرية المعروفة بـ«تجويع الوحش» التي تنظر الى العجز في الميزانية على انه شيء جيد، وطريقة لـ«عصر» نفقات الحكومة. هل ذكرت ان الادارة تخطط لخفض ضريبي آخر طويل الامد في السنة المقبلة؟

المدافعون عن استراتيجية تجويع الوحش يميلون الى الكلام عن «حكومة كبيرة» بشكل تجريدي. ولكن في الحقيقة، عصر نفقات الحكومة عادة ما يعني تقليص او الغاء الخدمات التى يريدها الناس فعلا (حتى ولو لم تكن بالضرورة برامج تستحق كلفتها). وبما ان اليوم هو يوم المحاربين القدامى فلنتكلم عن كيفية «إبعاد» عصر النفقات بشكل كبير لمجموعة مدهشة: جنود الوطن.

احدى الافكار الرئيسية لحملة جورج دبليو بوش الانتخابية في سنة 2000 كانت وعده بتحسين حياة جنود أميركا ـ والاقتراع من قبل العسكريين كان اساسيا في نجاحه. اما هذه الايام، فان من بعض اعنف الانتقادات لادارة بوش تأتي من المنشورات الموجهة الى الجمهور العسكري. على مستوى واحد، يبدو هذا النمط من الاقتطاعات كتدبير عملي العادي. كل وعد ظاهري بالكرم المادي الذي قطعته هذه الادارة على نفسها عدا عن وعودها بتخفيض الضرائب لذوي المداخيل العليا وعلى عقود الشركات تبين أنه غير عملي. ان شعار الدولة لن تتخلى عن اي ولد قد تخلت عنه الدولة ـ او على الاقل تركته بدون تمويل. و«اميريكور» الذي اثنى عليه الرئيس في خطاب حالة الاتحاد ايضا تركه من دون مخصصات في الميزانية التالية. رجال الشرطة والاطفاء النيويوركيون حظوا بصورة التقطت لهم مع الرئيس اما المال المخصص لهم فكان ضئيلا. لهذه الاسباب سوف لا تحصل نيويورك على كامل مبلغ الـ20 مليار دولار الموعودة به لاعادة الاعمار. فلماذا اذاً لا يجد الجنود انفسهم خاضعين لنفس النوع من الطعم والتحول؟

اذاً ماذا يحصل؟ أحد الأجوبة هو أنك عندما تزرع عقلية «بخل» في كل المراكز الحكومية فسيكون من الصعب بعد ذلك قيام مجال للانتقاء. ولكن في الوقت نفسه اشك ان الحكومة الموصوفة بانها من النخبة الاقتصادية وبواسطتها ومن اجلها، تعجز عن تخطي مشكلتها في الشعور مع الطبقة العاملة من رجال ونساء الذين يشكلون قواتنا المسلحة.

البعض يقولون ان النائب جورج نيذيركات الذي ادلى بتعليقه وهو ان التقدم في العراق أكثر اهمية من مقتل الجنود الاميركيين عاد وصححه في كتابة لاحقة «انه لشيء فظيع، لا سمح الله». ما رأيكم؟ ولكن من الصعب انكار عدم الحساسية المذهل في تعليق بوش يوم 2 يوليو الفائت: «هناك البعض الذين يشعرون هكذا، كما تعلمون، الأحوال هناك تسمح لهم بمهاجمتنا. جوابي هو: ليأتوا الينا، فنحن لدينا من القوة ما يكفي لمعالجة الوضع الامني». هذه كانت كلمات رجل لا يستطيع ان يتخيل نفسه او وجود قريب له على خط النار.

السؤال المطروح الآن هو: هل بدأ العسكريون يشعرون بانهم مستغلون؟ ان منشورات مثل «آرمي تايمز» فعلا تخطت كل تحفظ. والضباط العسكريون المتقاعدون امثال الجنرال انطوني زيني ـ مبعوث سابق لبوش الى منطقة الشرق الاوسط ـ بدأ بطرح تقييمات مقذعة ـ لدرجة لا تسمح بنشرها ـ عن سياسات الادارة. اذا توسع هذا «التحرر» من الوهم الى صفوف الجنود فان سياسات سنة 2004 قد تكون مختلفة كثيرا عما يتوقعه اي منا.

* خدمة «نيويورك تايمز» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»