بعد تقصيرها مع عباس.. أميركا تريد مساعدة قريع

TT

هناك توجه حقيقي من قبل المعنيين بالسلام ما بين الفلسطينيين واسرائيل، لمساعدة رئيس الوزراء الفلسطيني الجديد احمد قريع على النجاح، بعدما ادت السياسات السابقة الى افشال مهمة رئيس الوزراء السابق محمود عباس. ويعني نجاح قريع وقف الانتفاضة وايجاد ظروف ملائمة لعملية سلام جديدة على اساس خريطة الطريق.

وكان احمد قريع بعد تكليفه تشكيل الحكومة اتصل بواشنطن ليؤكد قدرته على التعامل مع ياسر عرفات رئيس السلطة الفلسطينية، وبعد تأديته قسم اليمين قررت مصر بذل جهود جديدة للتوصل الى وقف لاطلاق النار بين اسرائيل والفلسطينيين، وتوجه الى واشنطن رئيس الاستخبارات المصرية، الجنرال عمر سليمان، حاملا الاقتراحات المصرية التي بحثها مع المسؤولين الاميركيين في الوقت الذي بدأ فيه اليهود المعتدلون في الولايات المتحدة اقناع الادارة الاميركية عن طريق مكتب ديك تشيني، نائب الرئيس جورج دبليو بوش، بضرورة اعطاء احمد قريع فرصة حقيقية عن طريق مواصلة ادارة بوش محاولاتها تحقيق السلام، خصوصا في سنة الانتخابات الرئيسية.

وقبل وصوله الى رام الله، يوم الاثنين الماضي، كان عمر سليمان حصل على الضوء الاخضر من ياسر عرفات ورئيس الوزراء الاسرائيلي ارييل شارون، على المبادرة المصرية الجديدة. وقبل اجتماعه بعرفات وقريع، التقى سليمان رئيس جهاز الموساد الاسرائيلي، مئير داغان، وبحث معه الافكار المصرية لوقف اطلاق النار لفترة غير محددة قبل استئناف مفاوضات السلام، وعلى الاثر ابلغ شارون اعضاء من الجالية اليهودية في ايطاليا انه سيلتقي رئيس الوزراء الفلسطيني خلال ايام قليلة.

لا يغمر التفاؤل المطلق كل العاملين حاليا على استئناف مفاوضات السلام بين الطرفين الفلسطيني والاسرائيلي، إنما يجمعهم عامل واحد هو العمل مع قريع بطريقة افضل من تلك التي اعتمدوها مع عباس. وخلال عدة لقاءات مع مسؤولين فلسطينيين اشار مسؤولون اسرائيليون الى استعداد شارون ان يقدم الى قريع اكثر مما قدم الى عباس. ولأن الاميركيين يعتقدون انه كان بامكانهم مساعدة عباس اكثر، فقد ابلغوا الطرفين، حسب مصدر اميركي، بانه اذا اتخذ قريع خطوات لمواجهة الارهاب فانهم سيضغطون على اسرائيل لتقديم خطوات ايجابية بالمقابل، بمعنى اذا كان قريع جادا في توجهاته «فانه لن يندم».

والمطلوب اميركيا من قريع هو التوصل مع كل الفصائل الفلسطينية الى اتفاق لوقف اطلاق النار، يمنع العمليات الفلسطينية الانتحارية ضد المدنيين الاسرائيليين، وايضا ضد المستوطنين والجنود. وفي المقابل توقع اسرائيل من جهتها على اتفاق لوقف اطلاق النار وتعليق كل العمليات العسكرية ضد النشطاء الفلسطينيين، بما فيها القتل المستهدف.

وكان نقل عن قريع قوله ان اكبر خطأ ارتكبه محمود عباس، كان اعلانه عن وقف لاطلاق النار لم يلزم اسرائيل بوقف سياستها العسكرية التي ادخلتها في خانة محاربة الارهاب. من جهته، لمّح شارون الى استعداد حكومته الموافقة على وقف متبادل لاطلاق النار، إنما مع الابقاء على كل التوقعات باحتمال ان تستغل حماس والجهاد الاسلامي هذا الاتفاق لاعادة تسليح انفسهما.

ويقول مصدر مطلع انه اثناء اللقاء المتوقع بين رئيسي الوزراء الفلسطيني والاسرائيلي ليس معروفا ما سيعرض شارون، رغم انه يفكر في ان يقدم لاحقا اقتراحا جديدا يتضمن فكرة لدولة فلسطينية مستقلة تبدأ في قطاع غزة، تليها اقامة دولة فلسطينية مصغرة خلال السنة المقبلة، تشمل غزة وخمسين بالمائة من الضفة الغربية. أما اثناء اللقاء، وحسب المصدر، فمن المحتمل ان يركز الطرفان على تفاصيل وقف اطلاق النار واطلاق سراح سجناء فلسطينيين وتخفيف القيود على تحركات الفلسطينيين.

قد تكون هناك اسباب كثيرة تدفع كل الاطراف للعمل على استئناف مفاوضات السلام. فالقيادة الفلسطينية مشلولة على الصعيد العالمي، وتتنازعها في الداخل الانقسامات الكثيرة والفضائح المالية، التي يحاول وزير المالية سلام فياض تبريرها بانها استثمارات شرعية. وقد كشف برنامج «ستون دقيقة» الذي تقدمه قناة «سي.بي. إس» الاميركية عن تفاصيل البذخ التي لا تأخذ في الحسبان معاناة الشعب الفلسطيني غير المحتملة. اما الضغوط الاميركية على اسرائيل فتعود في جزء منها الى الورطة الاميركية في العراق، ولكون اجراءات مكافحة الارهاب التي تعتمدها اسرائيل لا تساعد اطلاقا الموقف الاميركي المعقد في العالم العربي. ويعتقد الاميركيون ان التقدم على المسار الاسرائيلي ـ الفلسطيني يمكن ان يساعدهم في العالم العربي، ويتيح لواشنطن القول انها حصلت للفلسطينيين على تنازلات اسرائيلية.

والذي صار محسوسا في واشنطن ان المسؤولين الاميركيين صاروا يشككون في نيات شارون، خصوصا بعد فشل محمود عباس. إذ رغم ان الشائع علنا هناك بان عرفات هو المتهم الاساسي في افشال عباس، لكنه لا يتحمل وحده اللوم، وبرأيهم ان شارون كان يمكنه فعل الكثير لمساعدة عباس تثبيت كفاءته وقيادته.

أما الاسباب التي تدفع شارون الى تحقيق تقدم فعلي في عملية السلام، فأبرزها انه يتعرض لضغوط داخلية متزايدة. ويربط الاسرائيليون الوضع الاقتصادي السيئ باستمرار العنف وفشل حكومتهم في وضع خطة لإيقافه. كما ان عدم التزام شارون بخطة سلام حقيقية ظهر في اقتراحين للسلام. الاول: «اتفاقية جنيف»، حيث اعد معتدلون فلسطينيون واسرائيليون خطة مفصلة للسلام النهائي. والثاني: «صوت الشعب»، وهي مبادئ للسلام النهائي عمل عليها رئيس جهاز الشين بيت السابق، آمي ايالون، ورئيس جامعة القدس سري نسيبه، ووقع عليها مائة الف اسرائيلي وستون الف فلسطيني. اتفاقية جنيف رحب بها وزير الخارجية الاميركية كولن باول. و«صوت الشعب» دعمها نائب وزير الدفاع الاميركي بول ولفوويتز، واثار في طريقة دعمه لها غضب بعض المتشددين اليهود في اميركا. وفي الثلاثين من تشرين الاول (اكتوبر) الماضي القى وولفوويتز محاضرة في جامعة جورج تاون حكى فيها ما تعرض له في العراق، وتحدث عن علاقة الغرب بالعالم الاسلامي، ومما قاله: «ان احد اوجه العلاقات بيننا وبين العالم الاسلامي، وبالتأكيد اكبر العقبات في وجه السلام، هو استمرار الصراع الاسرائيلي ـ الفلسطيني، ومن الواضح ان حل هذا الصراع لا يمكن ان يتحقق إلا عبر الوسائل السلمية، والرئيس (بوش) اوضح الاهمية التي نعلقها على المفاوضات الاسرائيلية ـ الفلسطينية (...) إن الحل يقوم على عاملين اساسيين: الاعتراف بحق اسرائيل في الوجود كدولة يهودية ضمن حدود معترف بها، واقامة دولة فلسطينية تنهي الاحتلال الاسرائيلي وتوفر حياة افضل لمواطنيها والامن لجيرانها». وأشار وولفويتز الى ما قام به نسيبه وايالون ونال توقيع عشرات الآلاف من الاسرائيليين والفلسطينيين، وقال انه التقى بهما، واضاف: «ان احد مفاتيح تحقيق السلام هو تحريك الاغلبية من الطرفين».

بعد الاعلان عن هاتين المبادرتين، ولتأكيد عدم وجود خطة للسلام لدى شارون، اتهم اربعة من رؤساء الشين بيت السابقين وبينهم ايالون، الحكومة بانها لا تعمل من اجل التوصل الى اتفاقية سلام، وانها تقود اسرائيل الى الكارثة. وكان رئيس الكنيست الاسرائيلي السابق، ابراهام بورغ، كتب في شهر آب (اغسطس) الماضي مقالا فيه ما يشبه الاعلان عن نهاية الحلم الصهيوني ـ وهو الذي كان رئيسا للحركة الصهيونية ـ اشار فيه الى انهيار المجتمع الاسرائيلي. وحتى الآن يقول بورغ، انه ليس نادما، بل يعمل كل جهده «لانقاذ اسرائيل من الاحتلال وانقاذ الصهيونية من نفسها».وكرد على كل هذه الوقائع السوداء على مستقبل اسرائيل، مع وجود حكومة شارون، تعمل وزارة الخارجية الاسرائيلية على وضع افكار لتخفيف التوتر عبر اعادة التعاون بين الفلسطينيين والاسرائيليين. وتتضمن الافكار توسيع المنطقة الصناعية الفلسطينية ـ الاسرائيلية القريبة من نقطة إرتز بين اسرائيل وقطاع غزة، وتوفير المساعدات الطبية للمستشفيات الفلسطينية، والبدء بمشاريع مشتركة لجذب السياح مع اقتراب عيد الميلاد ليعودوا الى بيت لحم والقدس.

لقد عادت الجهود تتضافر لاستئناف عملية السلام، والمرجو عدم اضاعتها. وقد قال احمد قريع ان اكثر ما يؤذي الشعب الفلسطيني هو الفوضى التي سببتها الانتفاضة والرد عليها. على كل، تكفي نظرة الى صورة محمد ابو شمالة، ابن الثالثة والعشرين، المشلول من رأسه حتى اخمص قدميه، والذي فقد حتى صوته ولا تتحرك فيه سوى عينين سوداوين كبيرتين، بعد اصابته بشظية صاروخ اطلقته طائرة عسكرية اسرائيلية، للاقتناع بأن الثمن صار مرتفعا جدا... وان اليباس عمّ تلك الارض.