وقفة بريئة مع نصوص تحكم المواطن ويحتكم إليها

TT

اذا خطر ببال أحدكم أن يمضي بعض الوقت، في قراءة موضوعات فكهة أو مرحة، أو مسرحية هزلية، فنصيحتي اليه ان يتجه الى كتابات ينطبق عليها قول: (شر البلية ما يضحك!).

.. ولا اجد في هذا المضمار افضل مما ورد في مواد الدساتير العربية من موضوعات، تضحككم الى درجة البكاء، وتبكيكم الى درجة الضحك، وللوقوف على بعض الامثلة، دعوني اصحبكم في جولة قصيرة، لنقف امام بعض مواد الدساتير العربية، حيث ورد في البعض منها التالي:

* الدستور المصري

* تقول المادة (4) من الدستور المصري، الصادر في مرحلة رئاسة السادات: (الأساس الاقتصادي لجمهورية مصر العربية هو النظام الاشتراكي الذي يهدف الى تذويب الفوارق بين الطبقات)!

ـ مع ان هناك العشرات من المليارديرات، والمئات، بل الألوف من المليونيرات، ممن استغلوا سياسة الانفتاح ففرّخوا، وتناسلوا، وتكاثروا! فأي اشتراكية هذه؟! وهل بالفعل تحقق ما جاء بالمادة (8) من الدستور: (تكافل الفرص لجميع المواطنين)؟! جميع المواطنين..! وهل اذيبت الفوارق بين الطبقات، وليس هناك رتب او القاب بين المواطنين كما ورد في نصّ المادة (22): (إنشاء الرتب المدنية محظور)، بينما اصبح استخدام القاب الباكوات والباشوات في مصر الآن، سائدا اكثر مما كان عليه في العهود الملكية؟!

ولا تعليق عندي على المادة (42) التي تنص: (كل مواطن يقبض عليه او يحبس، او تقيد حريته بأي قيد، تجب معاملته بما يحفظ عليه كرامة الانسان، ولا يجوز ايذاؤه بدنيا او معنويا). فإنني على ثقة ان من مروا بتجربة كهذه، سيسخرون سخرية مُرّة مما جاء فيها!

اما المادة (59) التي تنص على: (حماية المكاسب الاشتراكية، والحفاظ عليها واجب وطني)!! اي حفاظ هذا، ورئيس الوزراء المصري، ما فتئ يصرح انه ما جاء إلا لخصخصة كل مؤسسات القطاع العام، ليزداد الأثرياء ثراء، و الفقراء فقرا!

* دستور ليبيا

* جاء في اعلان قيام سلطة الشعب في دستور (الجماهيرية العربية الليبية الشعبية الاشتراكية العظمى )، ما نصه: (ان الشعب العربي الليبي يؤكد سير الثورة الزاحفة بقيادة المفكر الثائر والقائد المعلم العقيد معمر القذافي، الذي بيده السلطة، وبيده الثروة، وبيده السلاح، في مجتمع الحرية).

لقد ثبت فعلا ان بيده الثروة، وما المليارات التي ستدفع كتعويضات للامريكان الا دليل قاطع على تأكيد ذلك!

وجاء في وثيقة الدستور المكونة من اربع مواد فقط: (ان ثورة الفاتح من سبتمبر التي فجرّها المفكر الثائر والقائد المعلم، فيها الحل الحاسم والنهائي لمشكلة الديمقراطية في العالم)!

* دستور الكويت

* جاء في المادة (4) من دستور الكويت: (الكويت امارة وراثية، في ذرية المغفور له مبارك الصباح)، بينما جاء في المادة (6) من نفس الدستور: (نظام الحكم في الكويت ديمقراطي).

التوافق بين المادتين معادلة صعبة، لكن الدستور الكويتي، يجد لها ما يبررها!

وفي المادة (11): (تكفل الدولة المعونة للمواطنين وتوفر لهم خدمات التأمين الاجتماعي)! بينما يعيش في الكويت عشرات الالوف ممن حرمتهم القوانين من الحصول على جنسية، يعيشون (بدون) اية حقوق مدنية!

وتؤكد المادة (28): (لا يجوز ابعاد كويتي عن الكويت او منعه من العودة اليها).. ولديّ اكثر من دليل على ان هناك من الكويتيين من ابعدوا عن وطنهم، واذا وجد من يعترض على ذلك، فإنني على استعداد لنشر اسمائهم وتواريخ ابعادهم!

* دستور السودان

* (نحن شعب السودان، تجسيدا لوحدتنا الوطنية، وايمانا بمسيرتنا في طريق الحرية والاشتراكية والديموقراطية، وتحقيقا لمجتمع الكفاية والعدل والمساواة، وتأكيدا لسيادتنا، وتقريرا لمشيئتنا، وتنفيذا لارادتنا، وترسيخا لحقنا.. الخ..)، جاء ذلك في مقدمة دستور الجمهورية السودانية الديموقراطية عام 1971، بينما الانقلابات العسكرية قد توالت فنسفت كل ما ورد في تلك الديباجة!

وفي المادة (13): (مدينة الخرطوم هي عاصمة جمهورية السودان الديموقراطية)، بينما يدور الحوار الآن على ايجاد عاصمة جديدة.. ويبدو ان كاتب نص الدستور السوداني، لا يفرق بين الكتابة في الموضوعات الاخلاقية، وكتابة القانون، اذ ورد في المادة (17): (العون الذاتي سمة اصيلة من سمات المجتمع السوداني)، وجاء في المادة (49): (الصحافة حرة في حدودها كأداة لتثقيف الشعب وتنويره).

ـ ولا ادري ـ ما العلاقة بين الثقافة والتثقيف وحرية الصحافة؟! اما المادة (216) فتقول: (تجري انتخابات رئاسة الجمهورية عن طريق لجان محايدة يعينها رئيس الجمهورية). فعلا ستكون لجانا محايدة جدا عندما يعينها رئيس الجمهورية.

* دستور اليمن

* (نحن اليمنيين ـ شعب عربي مسلم ـ لا بقاء لنا، ولا لوطننا، الا بالتمسك بجنسيتنا العربية الاصيلة والتي لا يستطيع شعب ينتمي الى العروبة ان يدعيها قبلنا او يقدم لنا دروسا فيها). بهذه البداية المستفزة لقارئها، يستهل الدستور اليمني مواده، فيشير في المادة (13): (الثروات الطبيعية على سطح الارض، وفي باطنها، او في مياهها، وجميع مواردها البرية، والبحرية، ملك للدولة)! والذي يبدو ان هذه المادة مطبقة بحذافيرها في اليمن!

* دستور قطر

* المادة (1) من دستور قطر تقول: (قطر دولة عربية مستقلة ذات سيادة، ونظامها ديموقراطي). ولا تعليق لي على هذه المادة، انما اقف متسائلا امام المادة (2) ونصها: (تمارس الدولة سيادتها على جميع الاراضي والمياه الاقليمية ولا يجوز لها ان تتنازل عن سيادتها او ان تتخلى عن جزء من اراضيها، او مياهها)، فماذا يعتبر وجود اكبر قاعدة امريكية في العالم فوق اراضي قطر؟!

* الدستور السوري

* (لقد كان حزب البعث العربي الاشتراكي اول حركة في الوطن العربي، اعطت الوحدة العربية محتواها الثوري الصحيح). ورد ذلك في ديباجة الدستور السوري، وان المرء ليتساءل: اي بعث؟! واي حركة؟! واي وحدة عربية؟! واين هي. ولم اجد تعليقا على ما جاء بالمادة (1) حيث نصت: (الجمهورية العربية السورية دولة ديموقراطية شعبية اشتراكية)، بينما جاء في المادة (19): (تفرض الضرائب على اسس عادلة وتصاعدية، تحقق مبادئ المساواة والعدالة الاجتماعية).. اما المادة (38): (لكل مواطن الحق في ان يعرب عن رأيه بحرية، وعلانية، بالقول، والكتابة، وكافة وسائل التعبير الاخرى).

تمنيت ان اكذب نفسي، واصدق ما جاء في هذه المواد، لكن محاولاتي قد فشلت!

* دستور لبنان

* اغرب ما في الدستور اللبناني، ان واضعه قد حرص على تجنب كلمة العرب والعروبة، فقد جاء في المادة (1): (لبنان دولة مستقلة ذات وحدة لا تتجزأ، وسيادة تامة)، وفي المادة (4): (لبنان الكبير جمهورية عاصمته بيروت)، بل ان المادة (50) والتي يحلف بموجبها رئيس الجمهورية، جاءت على النص التالي:

(احلف بالله العظيم اني احترم دستور الامة اللبنانية، وقوانينها، واحفظ استقلال الوطن اللبناني، وسلامة اراضيه)، ودستور لبنان من اكثر الدساتير تعديلا في مواده، ما عدا المادة (101) التي تقول: (ابتداء من اول ايلول (1926) تُدعى دولة لبنان الكبير الجمهورية اللبنانية من دون اي تبديل او تعديل آخر).

* دستور تونس

* اما في دستور تونس، فإن العرب والعروبة قد استخدما للتدليل على اللغة العربية فقط، حيث جا ء في الفصل الاول: (تونس ذات سيادة، الاسلام دينها، والعربية لغتها)، وجاء في الفصل الثاني: (الجمهورية التونسية جزء من المغرب الكبير)، ولم يشر الى المغرب العربي. وبينما اشترطت معظم الدساتير العربية: (ان يكون رئيس الدولة عربيا، نجد الفصل (31) يشير الى (رئيس الجمهورية هو رئيس الدولة ودينه الاسلام)، وجاء في الفصل (39): (الترشيح لمنصب رئاسة الجمهورية حق لكل تونسي). بينما كانت الرئاسة مدى الحياة ممنوحة للراحل بورقيبة! فكيف يتفق هذا مع نص الفصل (39)؟!

* دستور الجزائر

* جاء في المادة (19)، فقرة (ز) من دستور الجمهورية الجزائرية الديموقراطية الشعبية: (القضاء على السلوك الاقطاعي، والجهوي، ومحاباة الاقارب، او كل الانحرافات المضادة للثورة).

يبدو ان كل ما ينشر او يشاع عن المؤسسة العسكرية، واحتكار رجالاتها لخيرات الجزائر، أمر مشكوك فيه؟!!

المادة (31) تقول: (يتم اعداد المخطط الوطني بكيفية ديموقراطية يساهم الشعب في ذلك، بواسطة مجالسه المنتخبة).

ـ إذن ... لماذا الغيت انتخابات اوائل التسعينات، والتي حصلت فيها التيارات الاسلامية على اغلبية ساحقة، مما ادخل الجزائر في دوامات لم تنته من آثارها حتى الآن!

وقد جاء في المادة (42): (يضمن الدستور كل الحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية للمرأة الجزائرية)؟!

بحثت في الدستور الجزائري عن مثل هذه الحقوق للرجل، فلم اجدها..!

***

جئنا على القليل القليل.. من تلك المضحكات، المبكيات التي تضمها نصوص الدساتير العربية، والتي اجمعت كلها على ضمان حرية مواطنيها في الحقوق، والمساواة والعدل والواجبات فمن لديه شك من اولئك الذين كثيرا ما يتبرمون من انعدام الحرية في الوطن العربي. نحيله الى مواد الدساتير، التي ضمنت لكل مواطن من الخير والنعيم والحرية.. وكأنه في ظلها يعيش في جنات النعيم!