واشنطن تتغلب على قلقها

TT

من السهل ان تضل الطريق وسط التفاصيل والدراما البيروقراطية للتغيير المفاجئ لادارة بوش في سياستها المتعلقة بالعراق. ولنركز بدلا من ذلك على التغييرات الكبيرة غير المعلنة التي يمكن ان تساهم في قيادة القوات الاميركية بعيدا عن مواقعها المكشوفة كقوات محتلة محاصرة.

هذه التغييرات السياسية المشوهة تؤكد التغييرات الاجرائية التي اعلنت في بغداد وواشنطن خلال عطلة الاسبوع الماضي. لقد منحت الادارة اطارا لتحويل قوة الاحتلال، المثيرة للجدل، الى وجود اميركي مستمر يدعم الاستقرار، يشارك، اذا لزم الامر، السلطة الحقيقية والمسؤوليات مع السياسيين والجنود واجهزة الاستخبارات العراقية.

ان الاتفاق على تسليم السيادة الى سلطة تنفيذية وتشريعية مؤقتة بحلول اول شهر يوليو (تموز) 2004، والسماح للعراقيين بتنظيم انتخاباتهم الوطنية الديمقراطية عقب ذلك، يشير الى ان البيت الابيض قبل، على ما يبدو، حكمة القول المأثور بأنه «لا يمكنك هزيمة احد ما بدون أحد».

ان الطريق الواضح والواقعي نحو السيادة سيحول المجلس العراقي الحاكم الى «شخص ما» بمنحه مسؤوليات هامة في المعركة ضد مقاتلي فلول نظام صدام حسين واعداد دستور العراق. لقد اجبرت زيادة الخسائر والتوتر السياسي المتزايد واشنطن على التغلب على قلقها باتخاذ مثل هذه المغامرة الكبيرة. ويشير ذلك الى ان القادة المدنيين والعسكريين في الادارة يتعلمون من الأخطاء ويتكيفون مع الظروف المتغيرة. ولا نملك سوى الترحيب بذلك، حتى ولو كانت الادارة، تقلل علنا حاجتها او رغبتها لتغيير السياسة. وفي الواقع تجري الادارة نقاشا داخليا تتزايد حدته بخصوص تحقيق تقدم في العراق، وهو ما ادى الى قيام بول بريمر، الحاكم المدني الاميركي، في الاسبوع الماضي، برحلة مفاجأة بين واشنطن وبغداد، انبثق عنها نتيجة غير عادية حيث قلص بريمر دوره المسيطر في بغداد.

وقبل اسبوعين ارسل البنتاغون مذكرة الى بريمر تشكك في تفاصيل وتوقيت خطته المكونة من سبع نقاط.. وكان رد فعل بريمر العدواني في ثلاث صفحات، فوريا وغير مرن. ولكن مع وصوله الى واشنطن، اظهر مزيدا من المرونة والاستعداد للتغير.

من الناحية التاريخية يبدو ان بريمر اعترف بالحاجة الى التحول من اسلوب الجنرال دوغلاس ماكارثر في اليابان الى اسلوب جون ماكلوي في ألمانيا. التشابه التاريخي الذي قدمته الادارة الاميركية فيما يتعلق بالعراق يجمع معا تجربتي الاحتلال الذي اعقب الحرب العالمية الثانية بدلا من الاعتراف بالفوارق الكبيرة بينهما. هذه أحد الاخطاء التي يجري تصحيحها.

قاد ماكارثر اليابان المحتلة وكأنها جيش، كما ان الطاقم العامل معه صاغ دستور اليابان لفترة ما بعد الحرب. وأكد ماكلوي ان الاجماع في السياسة ساعد في تمهيد الطريق أمام كونراد اديناور وآخرين للاستيلاء على السلطة. فبعد ان وجد نفسه وسط فوضى وعدم استقرار قبل خلافته لجي غارنر في يونيو (حزيران) الماضي، شعر بريمر بأنه ينبغي عليه لعب دور ماكارثر لبعض الوقت.

سيقود بريمر الآن مجلس الحكم العراقي في مساعيه لصياغة مجموعة القوانين التي ستشكل دستور البلاد الانتقالي اعتبارا من مطلع يوليو بدلا من كتابته لتلك الوثيقة. وسوف تتعرض القوانين الاساسية التي سينص عليها الدستور الى المشاكل الشائكة المتعلقة بقضايا مثل الفيدرالية وحقوق الاقليات والعلاقة بين الدين والسياسة في عراق المستقبل. التغييرات التي اعلنت يوم السبت الماضي في بغداد، ستفتح الطريق، ايضا، أمام مفاوضات واسعة بين مجلس الحكم والسلطات الاميركية.

هذه الخطوة وغيرها من خطوات باتجاه تسليم السلطة للعراقيين ستساعد على الخروج مما يطلق عليه الاميركيون «ورطة السيستاني». فبرفضه قبول أي دستور عراقي لا تتم صياغته قبل عودة السيادة والسيطرة السياسية للعراقيين، يكون السيستاني قد افشل في واقع الامر خطة بريمر المكونة من سبع نقاط، والتي قدمها قبل شهور.الا ان السيستاني كان قد لمح في الآونة الاخيرة في قبوله للخطة الجديدة رغم انه لم يصدر بيانا رسميا بذلك.

من غير المتوقع ان تحدث هذه الاشياء أي فارق لدى المسلحين والانتحاريين الذين يشنون هجماتهم بغرض زعزعة الاستقرار في العراق، فهؤلاء يجب ان يهزموا على الارض. وما يمكن قوله هنا هو ان هذه التغييرات ستحسن من فرص قوات التحالف، كما ينبغي على العراقيين عند نقل السلطة اليهم فعل الشيء نفسه.

* خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بــ «الشرق الأوسط»