نشر ما لا ينشر

TT

لي ملف ضخم في البيت يضم مجموعة كبيرة مما كتبت ولم ينشر. اضم بعضها الى مجلتي الالكترونية بالعنوان الوارد أدناه. اضفت اليها مؤخرا هذه الرسالة التي وجهتها الى محرر صحيفة الغارديان البريطانية بصدد تعاظم معاداة السامية في العالم في الآونة الاخيرة:

«سيدي ان افتتاحيتكم لهذا اليوم نمت اما عن قلة شجاعة او قلة معرفة. فان عليكم ان تتذكروا ان الغالبية العظمى من اليهود اللبراليين واليساريين والشرقيين والارثوذكسيين وقفوا اولا ضد تأسيس الدولة اليهودية لاعتقادهم بأنها ستشجع معاداة السامية. عارض ايضا قادة سياسيون وعسكريون في الغرب اقامة اسرائيل وحذروا بان اقامتها ستضرم النار في عموم الشرق الاوسط والعالم الاسلامي. والآن ها نحن نرى صحة توقعاتهم. واي ثمن هذا الثمن الذي دفع عنها». لم تنشر الصحيفة هذه الرسالة، فإلقاء المسؤولية على اسرائيل بصدد اي شيء يعتبر الآن نوعا من معاداة السامية والعداء ضد اليهود. لي كتاب كامل بالانجليزية والعربية بعنوان «الحكم غيابا» يعالج هذا القمع لوجهة النظر العربية. ولكننا هنا نتجاوز ذلك فنجد هذا القمع حتى لوجهة النظر اليهودية التي تنتقد اسرائيل. وهذا شيء العرب ايضا يتجاهلونه ويمتنعون عن ذكره. فالمعروف ان الحاخام باشي في اسطنبول، الذي كان رئيس الطائفة اليهودية في عموم الامبراطورية العثمانية كان يبصق على اسم هرتزل (رائد الصهيونية ومؤسس المنظمة الصهيونية العالمية) عندما يذكر امامه. لم تلق الصهيونية اي تأييد يذكر من اليهود العرب حتى الاربعينات. في بغداد اسس اليهود اليساريون جمعية مكافحة الصهيونية. وفي اوروبا وقفت كل الرئاسات اليهودية ضد الفكرة. اصدر مجلس المندوبين اليهود (المنظمة اليهودية الرئيسية في بريطانيا) قرارا ضدها وناضل رئيسها العالم الكبير لوسيان وولف نضالا مريرا ضد اصدار وعد بلفور. وكذلك فعل الوزير اليهودي في الحكومة، كلود مونتفوار، الذي رفع مذكرة رسمية يصف فيها الدعوة لإقامة وطن يهودي بأنها ناتجة عن كره اليهود ومعاداة السامية. اضطر لويد جورج الى ابعاده الى الهند.

رأوا جميعا ان اقامة دولة يهودية ستثير مسألة الازدواجية وتجعل ولاء اليهود موضع تساؤل. وتوقعوا انها ستعمق في نفوس الاغيار المشاعر المعادية للسامية. وفي رأيي ان ما يجري الآن من بعث لهذه المشاعر ومن احداث وتصريحات تعبر عنها، ليس سوى مقدمة لعودة نفس الافكار العنصرية القديمة ضد اليهود، ولا سيما والعالم يسمع بهذه التصرفات العنجهية التي تقوم بها الحكومة الاسرائيلية ضد الفلسطينيين.

ما هذا برأيي انا فقط او رأي الاغيار الآخرين فقط، انه رأي الكثير من اليهود، بل والاسرائيليين ايضا، اصبحوا يشعرون بالاخطار التي اخذت تهدد مستقبلهم. يكفي ان نشير منها الى ما صرح به علنا برغ، رئيس الكنيست السابق مؤخرا. ولكن هذه النبوءات لم تكن الوحيدة في هذا الصدد. حذر الكثير ان لم اقل اكثر، من قادة الغرب العسكريين والسياسيين من مغبة اقامة دولة يهودية بين ظهراني المسلمين والعرب. قالوا انها ستضرم النار في المنطقة وتهدد المصالح الغربية. يأتي في طليعة ذلك الوزير الامريكي لويس مارشال. وهذه هي النبوءة الاخرى التي تحققت، جل هذا العمل الارهابي، خطف الطائرات، ارتهان الاشخاص، العمل الفدائي، العمليات الانتحارية، اساليب التمويل، التنظيم الاممي، كلها تعود جذوره الى فلسطين. وبدون شك ان كل هذا الكره لامريكا والغرب والانقلابات التي جرت ضد اصدقائهم ومصالحهم، هي الاخرى من تركة المسألة الفلسطينية واخيرا فإن قمع اي نقد لاسرائيل واصدقائها اصبح بادرة تؤثر في حرية الفكر والنشر عالمياً.

www.kishtainiat.com