إنه شيفاردنادزة وليس صدام !

TT

لو أن إدوارد شيفاردنادزة هو الرئيس العراقي المخلوع لما انسحب بهدوء وبهذه الطريقة، ولقاتل بباقي ما تبقى معه من رجال وأشباه رجال حتى آخر واحد، ولما وفر دماء شعبه لأن الشعب يجب ان يكون فداء

«القائد الملهم»، ولا اختبأ في احد أحياء تبليسي واختار واحداً مثل عزة ابراهيم الدوري ليقود مقاومة تخبط خبط عشواء وتقتل من يصله رصاصها وتصله قنابلها.

لكن مشيئة الله لم تجعل الرئيس الجورجي بمواصفات صاحب « أم المعارك» و«أم الحواسم»، قاتـِل الامهات والآباء والأحفاد والأبناء، فانسحب بهدوء ولم يفرض على الخارجين عليه إلا شرطاً واحداً، وهو ان تجرى انتخابات رئاسية وتشريعية في غضون 45 يوماً، ووفر على شعبه دماءً زكية وعلى بلده دماراً كان من الممكن ان يعود به عشرات السنين الى الوراء.

في التاريخ المـُعاش هناك انموذجان للرؤساء في العالم الثالث، الأنموذج الأول عبد الرحمن سوار الذهب، الجنرال السوداني الذي أوصله انقلاب أبيض الى كرسي الحكم في الخرطوم، لكنه لم يستسلم لاغراءات السلطة وبادر بعد فترة انتقالية أملتها ضرورات عدم الوقوع في فراغ السلطة، إلى تسليم الحكم لأهله من خلال انتخابات فعلية، وعاد الى منـزله ليسعد بمحبة السودانيين واحترام الرأي العام في كل الدول العربية.

أما الأنموذج الثاني، فهو زياد بري، الذي تشبث بالحكم في الصومال بأظافره وأسنانه وبيديه ورجليه، وركب تحالفات زمن الحرب الباردة بين الغرب والشرق، ولم يغادر مواقع المسؤولية إلا تحت ضغط الحديد والنار، وبعد أن وضع البلاد والعباد بين أشداق حرب أهلية مدمرة ما تزال مستمرة ومتواصلة حتى الآن.

جاء شيفارد نادزة إلى الحكم في جورجيا، التي أنجبت ديكتاتوراً أعتبره صدام حسين المثل الأعلى هو جوزيف ستالين، من تجربة شمولية حكم خلالها الشيوعيون بالحديد والنار والغاء كيانات وشعوب على مدى نحو سبعين عاماً ونيف، ومع ذلك، فإنه بعد انهيار الشيوعية التاريخي عاد ليحكم بلده من خلال صناديق الاقتراع، وها هو يضرب المثل الأعلى بالايثار والتضحية وينسحب من مواقع المسؤولية بكل هدوء تحاشياً لأن يكون بقاؤه سبباً لاندلاع الحرب الأهلية مجدداً ومرة أخرى.

لم يفعل صدام حسين ما فعله شيفاردنادزة، وهو أصر على أن يخوض معركة انتخابات فاز فيها بمائة في المائة بشهادة عزة الدوري وطه ياسين الجزراوي، وها هو بعد ان سلّم عنق بغداد للغزاة القادمين من خلف المحيطات، يصر، على طريقة زياد بري، على اقحام العراق في أتون حرب أهلية مدمرة لاشادة مقابر جماعية جديدة إلى جانب المقابر الجماعية السابقة.

خرج شيفارد نادزة من الحكم بشرف واباء وبشهادة من معارضيه بأن شجاعته دفعته الى التضحية بنفسه من أجل وطنه، ويقيناً لو أن صدام حسين لديه أدنى ما لدى «ثعلب القوقاز» من وطنية وشجاعة، لكان قبل بالتنحي في الفترة التي كان فيها التنحي إنقاذاً للعراق وحقناً لدماء العراقيين التي تنـزف الآن بغزارة.