الطاعون

TT

لو لم يقتل البير كامو في حادث سيارة وهو في السادسة والاربعين من العمر، لكان اليوم في التسعين، متربعاً في اي حال، على كرسي الادب الفرنسي، مثيراً للجدل والاعجاب، وكتبه تتقدم جميع الكتب الاخرى في الرواج. وقد عاش كامو «غريباً» في كل مكان. ولد فرنسياً في الجزائر ومات جزائرياً في باريس. وانتقد في فرنسا بشدة لانه لم يأخذ موقفاً واضحاً الى جانب الثورة الجزائرية. ورافقته مثل اللعنة الى قبره الجملة التي قالها عندما سئل عن موقفه في الجزائر، فقال: «انا مع العدالة، لكنني سوف ادافع عن امي قبل ان ادافع عن العدالة».

كانت امه من اصل اسباني وكان والده مراقباً على العمال في شركة جزائرية. وعندما توفي عملت الام منظفة في البيوت. غير ان النخبة الفرنسية التي ايدت حرب التحرير لم تغفر له ابداً غياب الحرب عن مؤلفاته. فلا وجود للجزائريين في اعماله، التي نال عليها «نوبل». لكن بعد ابتعاد الحرب الجزائرية عن ذاكرة الفرنسيين عاد البير كامو الى احتلال المرتبة الادبية الاولى. وتراجعت صورة جان بول سارتر امام صورته واثره الادبي.

فاز كامو بجائزة نوبل على كتابه «الطاعون». وتدور الرواية مثل اعماله الاخرى في وهران وليس في الجزائر العاصمة. وليست وهران شيئاً سوى «غبار وقيظ وحصى». وفي اي حال فعندما ينتهي الطاعون الذي حل بالمدينة، او يبدو انه انتهى يعلن بطل كامو، الطبيب ريو، ان هذه ليست «حكاية انتصار نهائي على الارهاب وهجماته التي لا تتوقف»، لان الدكتور ريو كان «يعرف ما لا تعرفه هذه الجماهير المبتهجة، والتي كان في امكانها ان تتعلم ذلك من الكتب، وهو ان جرثومة الطاعون لا تموت او تختفي الى الابد، وانما تنام لتظهر من جديد».

وكان كامو يقول رداً على منتقديه «ان من الافضل ان يكون المرء على خطأ من دون قتل احد، على ان يكون قاتلاً على حق» وقد انتقده ادوارد سعيد على مواقفه في «الاستشراق». وكان يشير اليه دائماً بحدة وانتقاد. وقبل حوالي 20 عاماً سألت سفير الجزائر في لندن عن الموقف من كامو، فأجاب جواباً لا انساه «لقد قدّم لغته على وطنه».

تنطبق مسألة الغربة بين وطنين وعرقين على جون كويتزي الذي فاز بنوبل الاداب هذا العام، فقد كانت جنوب افريقيا الاقل حماساً لفوزه. وقال احد الكتاب ان كويتزي ليس افريقياً «بل هو غربي صدف انه يعيش في افريقيا». اي انه رجل ابيض. وليس مهماً ما كتبه الرجل ضد العنصرية، فمعظم اعماله ليست في الشأن «الوطني» بقدر ما هي في العمل الوجداني: الوحدة والحرية والشعور بالذنب.

وعندما كان بطرس غالي يمثل القارة السمراء في الامم المتحدة كان الكثيرون ينظرون اليه على انه غريب عن القارة وقضاياها. وكان هدفاً للنقد والازدراء حتى من بعض الكتّاب في مصر، او بالاحرى خصوصاً من بعض الكتّاب في مصر، بسبب انتمائه العائلي وكونه جزءاً من البورجوازية، او بالاحرى الاريستوقراطية المصرية.

انه صراع لن ينتهي. وسوف يظل الانتماء وقفاً على بشرة ما او لون ما والآخرون غرباء. وما بين البير كامو وجون كويتزي قطعت نوبل الاداب فروقات كبرى في مستوى العطاء الادبي. وليس من الممكن العثور كل عام على البير كامو آخر.