معهد كرمون

TT

خدعت لحيتي على ما يبدو «ييغال كرمون» رئيس معهد دراسات الشرق الاوسط في واشنطن لأنه حاول جاهدا في رده المنشور في صفحة الرأي بالجريدة يوم 2003/11/29 ان يقنعني بالاسلام التونسي ـ بتفسير بورقيبة طبعا ـ فالمناهج التي يحكي عنها وضعت في ذلك العصر السعيد للمجاهد الاكبر الذي قاوم الاستعمار الفرنسي بخصية واحدة فقط كما قال في احدى خطبه الشهيرة، والله وحده يعلم ماذا كان حل بفرنسا لو كان عنده اثنتان بدل الواحدة التي قاومت وحدها .

وقد اعجبني ذكاء الاخ كرمون الذي تنصل في رده من العمل مع الموساد، لكنه لم ينف بشكل قاطع عمله في الاستخبارات او وزارة الدفاع وهذه عندها استخباراتها ايضا، لكننا في العالم العربي ـ لمعلومات كرمون ـ نطلق على المخابرات الاسرائيلية جميعها اسم الموساد، فبلاغتنا العربية كما يعرف تتيح اطلاق اسم الجزء على الكل يعني حين يسمع من عربي اسم الموساد في مرة قادمة فيجب عليه ان يفترض ضمنا مخابرات الدفاع «الشاباك» والشين بيت المخابرات الداخلية جنبا الى جنب مع الاستخبارات الخارجية الاسرائيلية المختصة وحدها عندهم باسم موساد.

ولو سألني عبد الرحمن الراشد الرأي قبل نشر الرد لاقترحت عليه نشره مع التقارير التي تشير الى الوظيفة السابقة للاستاذ كرمون، لكنه لم يفعل ولا استطيع ان ألومه منطقيا فهو رئيس تحرير جريدة عندها جيش جرار من الكتاب ولو استشار الراشد كل كاتب في رسالة أو رد أو تعليق لامضى يومه في دوامة «ما رأيكم دام فضلكم» وهذا آخر ما يريد فعله اي رئيس تحرير مهما كانت ديمقراطيته.

والذي حيرني في رد رئيس معهد الشرق الاوسط للدراسات على كلمتي «ثقافتنا والموساد» انه لم يقل لنا من هي الجهة الرسمية الاسرائيلية التي انهى خدماته عندها قبل عشر سنوات كما جاء في رده؟ هل كان يعمل ـ مثلا ـ استاذا للرسم أو الموسيقى، وبتلك الصفة الفنية عينوه مستشارا لمكافحة الارهاب..؟

ان حوار «التربية والارهاب» من الحوارات الجدية التي نوليها كل الاهتمام، لكننا نناقشها مع الباحثين والتربويين والمفكرين والمؤسسات الفكرية والسياسية والتربوية التي تثبت مصداقيتها في ساحة العمل من أجل السلام، لا تلك التي تؤسسها الأجهزة لغاية في نفس حاييم وشالوم.

لقد كان الاعتراض الاساسي في مقالنا عن الثقافة العربية وضغوط الاستخبارات على تسميم الاجواء بين الشعب الاميركي والشعوب العربية والدور الصهيوني الواضح في تغذية الماكينة الاعلامية بالسموم وكنا نتمنى على «ييغال كرمون» ان يتنصل والمعهد، الذي يديره في واشنطن من ذلك الدور لا ان يرشونا بشكر ملغوم ليمرر من خلاله الصفة الجديدة التي يريدها لنفسه كباحث رصين حريص على السلام ومستقبل البشرية.

وفي هذه لا مشكلة عندنا، فليقل لنا لصالح من كان يعمل كمستشار لمكافحة الارهاب؟ ومن هي الجهة الرسمية التي كان يعمل معها حين انهى خدمته قبل عشر سنوات؟ وعندها سنعامله كباحث وكمفكر ان اراد واجاد، اما ان يتلاعب بالالفاظ كي لا يقول شيئا دقيقا ملزما كبيانات الجامعة العربية فهذه خدعة مكشوفة لا تمر علينا، ولا على غيرنا مهما سربلها رئيس معهد واشنطن لدراسات الشرق الاوسط بالبلاغة العربية والعبرية.

ان الطريق الوحيد امام «ييغال كرمون» رئيس معهد دراسات الشرق الاوسط بواشنطن لاثبات مصداقيته وجدية معهده ان يتعامل بوضوح وشفافية ككل الباحثين والمفكرين الذين ليس عندهم ما يخافون منه لعدم وجود هياكل عظمية في خزائنهم، كما يقول المثل الانجليزي، أما عن تغيير المسمى الوظيفي دون تغيير الوظيفة فهذه حالة معروفة في جميع انحاء العالم لأن نصف استخبارات الدنيا أو ثلاثة ارباعها تعمل تحت مسميات مختلفة، خصوصا في حقل الدبلوماسية والاعلام والجامعات، حيث يكثر المندسون والمزروعون والمراقبون اصحاب الخطوط الجميلة والآذان التي تخترق الحيطان.

والخلاصة اوضحوا يا استاذ كرمون لقرائنا، ماذا كنتم تفعلون، واثبتوا لهم انكم تعملون من أجل السلام والحرية والتربية السليمة لأجيال الغد وسوف تجدون منا ومن غيرنا كل الدعم والتأييد، أما ان تتركوا الامور ملغومة وملغوزة وناقصة الشفافية فهذه وصفة ناجحة للشك والتشكيك لا تخدم شخصكم ولا معهدكم ولا الاهداف التي تقولون انكم اسستموه لخدمتها، فتسميم الاجواء بين الشعب الاميركي والشعوب العربية لا يخدم غير جهة معروفة وموصوفة ومحددة القسمات والمعالم لدرجة انك تعرفها من نظرة واحدة الى النجمة السداسية التي تتوسط رايتها.

[email protected]