ما حقيقة حرب أميركا على الإسلام؟

TT

منذ احداث سبتمبر من الصعب حصر المقالات والندوات التي بثتها وسائل الإعلام العربية المختلفة عن الغرب والإسلام، والخطر على الإسلام، وأمريكا والإسلام.. ألخ. وفي الغرب أيضا، تجد نفس الشيء عن الخطر الإسلامي، مع فارق كثرة الأبحاث والكتب والدراسات ذات البعد الاستراتيجي لمحاولة تحليل كل أبعاد ومستقبل ووسائل محاصرة هذا الخطر من وجهة نظرهم.

ولفتت نظري مقالة كتبها باتريك سيل بتاريخ 28 نوفمبر الماضي، بعنوان «هل أعلنت إدارة بوش الحرب على الإسلام؟»، ويفهم من عنوانها ومن استخلاصات الكاتب، أن إدارة بوش أعلنت الحرب على الإسلام. هكذا يقرر الكاتب المعروف بكل بساطة.

لعل ذلك شجعني على أن أعرض وجهة نظري التي لا تتفق مع سيل ولا تأخذ هذه المسألة المعقدة بكل ذلك التبسيط.

بالطبع، هناك حساسية شديدة فى الغرب، لأن كل حركات العنف والتطرف فى العالم الاسلامى، على خطوط تماس، بدرجة أو بأخرى، مع الدين، وهو ما يجعل الامور اكثر تعقيدا.

فإذا تحدثنا عن «أمريكا والإسلام» بعد 11 سبتمبر، سنجد مساحة واسعة من التنوع والرؤى والتوجهات. فالمواطن الأمريكي العادي، الذي يمثل الأغلبية الكاسحة من الشعب، ولم يكوّن رؤية واضحة عن الإسلام والمسلمين بعد، ويتلقى معلومات وأخباراً كثيرة بعضها إيجابي والكثير منها سلبي، إلا انه لا يحمل أي عداوة تجاه الإسلام أو المسلمين، ولا يأخذ ما يتلقى معلومات سلبية بكثير من الجدية، بقدر ما ينصرف إلى الاهتمام بحياته الخاصة والأخبار المحلية التي ترتبط بشوونها، مع قدر كبير من التسامح تميز الشخصية الأمريكية. بخلاف هذا المواطن المتسامح، هناك خطابات متعددة تشكل مساحة واسعة من التنوع تجاه الإسلام والمسلمين في الغرب عامة وأمريكا خاصة.

1 ـ هناك تيار يرى أن الخطر والمشكلة تكمن في الدين الإسلامي نفسه ونصوصه، ومن هؤلاء استيف أمرسون، بات روبرتسون، جيري فالويل، فرانكلين جرهام، وجون اشكروفت، وهم من التيار الأصولي المسيحي. ولا يقتصر هذا الاتجاه على التيار المسيحي الأصولي، وإنما نجد من الهندوس والسيخ والبوذيين وغيرهم مثل الكاتب البريطاني ذي الاصول الهندية الحائز جائزة نوبل في الأدب نايبول.

2 ـ تيار المفكرين والمحللين الاستراتيجيين مثل كيسنجر، هنتنجتون، برنارد لويس، فوكوياما. وهؤلاء لا يرون الخطر في الدين، وإنما في العقيدة السياسية المنبثقة من الدين. فالإسلام يحرك قوة وعقيدة سياسية تمثل خطرا مؤكدا على الغرب وأمريكا. يقول كيسنجر «الخطر الإسلامي هو تحد للحضارة الغربية يفوق حجم الخطر الشيوعي».

ويقول هوبير فيدرين وزير خارجية فرنسا السابق، «لقد سخرنا من هنتنجتون بأنه تنبأ بالصراع بين الغرب والإسلام وتبناه، بينما كان ينبهنا من خطره».

ويقول برنارد لويس «أسامة بن لادن وتنظيم القاعدة لا يمثلان الإسلام ولكن أفعالهم جاءا من داخل الثقافة الإسلامية».

ويجزم هنتنجتون بأننا نعيش «عصر حروب المسلمين». ويقول فوكوياما ان معركتنا الحالية «ليست ضد الإسلام كدين أو حضارة ولكنها صراع ضد الفاشية الإسلامية».

3 ـ هناك أيضا التيار الذي يري أن الخطر آت من الإسلام كدين وعقيدة سياسية متطرفة مثل دانييل بايبس، من معهد السلام، وصاحب كتاب «الاسلام المتطرف وصل امريكا»، ومارى آن ديفر، مؤلفة كتابى «صورة مصر.. رحلة داخل عالم الإسلام المتشدد»، و«باكستان في ظل الجهاد وافغانستان». وجوديث ميللر، مؤلفة كتاب «الله له تسعة وتسعون اسما». وعلى عكس رؤية بوش في احتواء العالم الإسلامي من خلال عمل إصلاحي، يرون إن سلوك العالم الإسلامي يدفع تجاه المواجهة وليس الاحتواء .

4 ـ وهناك تيار المحافظين الجدد، وهم ليس لهم مشكلة مع الإسلام كدين، ولكنهم يصطدمون مع كل ما يعرقل التفرد الأمريكي وأحلام التفوق الأمريكي الكوني، وبالطبع يرون الكثير من البؤر داخل العالم الإسلامي تهدد هذه الأحلام ويجب مواجهتها، سواء كانت بؤرا أو دولا متطرفة تقف ضد هذا المشروع.

5 ـ وهناك تيار لا يرى المشكلة في الدين وإنما في الاستبداد والتفكير في العالم العربي والإسلامي، ومنهم فريد زكريا، الذي يقول في كتابه «مسقبل الحرية»: «إن المشكلة ليست في الإسلام وإنما في العقل العربي». ويرى أن هناك مشكلة حقيقية وهي «إنعدام البدائل العقلانية». أيضا فؤاد عجمي الذي يرى «ان فشل المثقفين في العالم العربي عائد لكونهم لا يقدمون رؤية نقدية لمجتمعاتهم، وهم يلقون اللوم دوما على الخارج». ويمكن أن نضيف لهذا التيار أيضا توماس فريدمان.

6 ـ وهناك تيار فى أمريكا والغرب يرى الخطر في الجاليات الإسلامية داخل المجتمعات الغربية، ويتراوح هذا الخطر بين اعتبارهم طابورا خامسا، كما ينظر لهم البعض، أو خطرا عنيفا نابعا من نصوصهم الدينية، كما يراهم المؤرخ بول جونسون، أو يشكلون «صدمة بممارساتهم الدينية» مثل اللحم الحلال للأطفال في سن الدراسة، والزي الإسلامي، وختان الاناث، وتعدد الزوجات، وفرض اختيار الاهل فى زواج البنات.

7 ـ وهناك التيار الذي يدافع عن كل ما هو عربي وإسلامي داخل المجتمع الأمريكي والمجتمعات الغربية، مثل جون اسبوزيتو، بول فندلي، كارين ارمسترونج، روجر أوين، ليون هايدر، فرد هاليداي، جرهام فوللر، طارق علي، رجاء جارودي، مراد هوفمان، باتريك سيل، روبرت فسيك، وبعض هؤلاء يدافع من واقع إيمانه بالقيم والحقوق العربية والإسلامية، والأكثرية يرتبطون بمصالح مع العالم العربي والاسلامي، تكونت إزاء فترة المد البترولي الأصولي في الغرب. والحقيقة أن الكثير من هؤلاء أصبح ضرره أكثر من نفعه بعد 11 سبتمبر، إذا أنهم يوسعون الفجوة بين الغرب والعالم والعربي بالتركيز ونقل الرؤية السلبية الغربية تجاه العرب والمسلمين إلى العالم العربي. وأنا أرى أن أعداء العرب والمسلمين حقيقة هم من يضعونهم في هذه الظروف في مواجهة مع الغرب .

8 ـ وهناك التيار الأخير الذي يهمني فعلا، وهو رؤية الحكومة الأمريكية والحكومات الغربية لفكرة العداء للإسلام. من خلال متابعة لبوش، وشيراك، وبلير، وشرودر وغيرهم، نجد تأكيدا وتركيزا على فكرة أن الحرب على الإرهاب ليست حربا على الإسلام، وامتداحا متواصلا للإسلام كدين سلام وتسامح. ولهذا استخدم بوش وإدارته مصطلح «اختطاف الإسلام» بديلا عن كلمة الإسلام، وهو المصطلح الذي قدمه سلمان رشدي في مقالة له في «النيويورك تايمز» عقب أحداث 11 سبتمبر، والتقطه بوش وإدارته كتعبير يوضح أن المشكلة في المتطرفين وليس في الإسلام ذاته. وبعد ذلك تم تعميم مصطلح «القاعدة». وفي الأدبيات الأمريكية القاعدة لا تعني ذلك التنظيم الذي يرأسه أسامة بن لادن، وإنما الإطار الأوسع لاستخدام العنف الديني في العالم الإسلامي، فكل شخص يستخدم العنف بتبريرات دينية ينتمي فعليا إلى هذا التنظيم.

اليس من الظلم بعد ذلك ان نقول ان بوش يحارب الاسلام؟

* كاتب مصري يقيم في الولايات المتحدة

[email protected]