عظمة وديمقراطية... وإمبريالية جديدة؟

TT

كالذاهب الى الحج والناس راجعة، تعمل ادارة الصقور الجمهوريين في واشنطن على اعادة صياغة عالم ما بعد الحرب الباردة بذهنية شبه استعمارية أخنى عليها الذي أخنى على لبد، وبذريعة ايديولوجية هي نشر «الرسالة» الديمقراطية وتعميمها على العالم العربي باكمله... قبل ان يسجلوا في العراق نقطة واحدة لصالحها.

وكالمارد العاجز عن لي ذراع ربيب له، يفشل الصقور في إقناع أسرائيل بان مصلحتهما المشتركة في الشرق الاوسط تقتضي «تنازلا» شكليا تقدمه حكومة ارييل شارون حيال مشروع تسوية للنزاع الفلسطيني ـ الاسرائيلي وضعوه هم بانفسهم ـ وان كان هذا «التنازل» كناية عن قرار بسيط بوقف بناء جدار العزل العنصري «داخل» الاراضي الفلسطينية المحتلة.

في فلسطين وسيط فاشل وفي العراق محتل فاشل... فماذا بقي لصقور واشنطن من مقومات العظمة ليتنطحوا الى التفرد بحمل «رسالة» تعميم الديمقراطية في عالم عربي يبدو انهم لا يلمّون بتعقيداته ولا بخاصيته... وان المواّ، لا يبالون بها طالما لا تصب في خانة المصلحة الاميركية الاستراتيجية والتجارية الضيقة.

لو كان صقور واشنطن عريقين في تراث الاستعمار، مثل جيلهم الاوروبي الغابر، لما خاضوا حرب العراق معتمدين على معطيات منقوصة عن «الحالة العراقية» أو مكتفين بمعلومات مغلوطة من جهات عراقية معارضة محسوبة على الـ«سي آي إيه» اصلا. لذلك لا عجب إذا كان الفصل العسكري من مغامرة الاحتلال، اي تغيير نظام بغداد، الفصل الاسهل تحقيقا (انجازه لم يستغرق أكثر من ثلاثة اسابيع).

أما ما بعد الاحتلال، اي مرحلة تطبيق «الرسالة» الديمقراطية الاميركية، فشأن آخر اليوم بعد ان جعلتها اشهر الاحتلال السبع رهينة نجاح أو فشل «الامر الواقع العسكري» في مواجهة مقاومة ميدانية شعارها غير المعلن تقديم تحرير الارض على خيار النظام السياسي.

وفيما يعيش العراق سباقا محموما بين خيار التحرير أولا أو خيار النظام أولا، يعيش «رجل السلام» ارييل شارون ـ والوصف للرئيس جورج بوش ـ ابشع ايام «عظمته» المستعارة من الدولة الديمقراطية الاعظم فيواصل سياسة القمع والبطش والقتل والتقتيل والترحيل...وتحميل الفلسطينيين مسؤولية فشل التسوية الاميركية للنزاع «فيعاقبه» صقور واشنطن بحسم 300 مليون دولار فقط من مبلغ الضمانات المقدمةلحكومته ـ آي دون الـ 10 بالمائة من أصل المبلغ.

نظرة سريعة الى المقاربة الاميركية لازمات فلسطين والعراق وافغانستان وكوريا الشمالية وحتى ايران توحي بان عالم الزعامة الاميركية الآحادية أصبح عالم الآفاق الدبلوماسية المسدودة للشعوب وعالم المغامرات العسكرية للصقور.

مع ذلك، يواصل الصقور نشر رسالتهم الديمقراطية عبر مبادرة جديدة هي «خريطة طريق» أخرى كشفت مستشارة الامن القومي، كوندوليزا رايس، ان الادارة الاميركية تعدها بهدف تغيير الانظمة العربية، من المشرق الى المغرب، وانها تسعى للاستعانة بمساهمة حلف شمالي الاطلسي في تكريس «الديمقراطية واحترام حقوق الانسان والحريات».

هل حلت الزعامة الاميركية الاحادية أزمات العالم المتفجرة ـ من فلسطين الى افغانستان الى العراق الى كوريا الشمالية ـ لتقصر همها الآن على بسط مفهومها الخاص للديمقراطية على العالم العربي، أم انها تحاول وراثة اسلوب الاتحاد السوفياتي السابق في طرح اطار ايديولوجي للتبعية السياسية المستهدفة من «دمقرطة» العالم العربي ـ على الطريقة الاميركية?

استعداد صقور واشنطن لتسويق الديمقراطية الاميركية بالقوة ـ كما هو حاصل في افغانستان والعراق ـ يوحي بان الولايات المتحدة تتحول في عهدهم، الى اتحاد سوفياتي آخر وإن بطروحات ايديولوجية مختلفة، فاذا كانت الديمقراطية عقدة الانظمة العربية ـ ولا جدال في الحاحية البدء بانفتاح معظمها على «سيادة» الانسان قبل سيادة الوطن ـ فهي، في اسوأ الحالات، عقدة داخلية يفترض بشعوب المنطقة حلها بانفسهم، كما تقضي بذلك بديهيات المبادئ الديمقراطية.

أما إذا ظلت مشكلة المنطقة العربية الابرز، وهي الاحتلال الاسرائيلي للاراضي الفلسطينية، وزادها تعقيدا الاحتلال الاميركي للعراق، فقد تجد شعوب المنطقة نفسها في مواجهة الخيار ذاته الذي يواجه الاميركيون اليوم في العراق... اي خيار تقديم تحرير أرضهم على اختيار نظامهم ،والديمقراطية تحديدا.