إدارة لا تسمع.. لا ترى.. لا تتعلم

TT

امر لا بد من قوله لصالح جورج بوش وهو انه صاحب حس فكاهي. ففي حفل تم مؤخرا لجمع التبرعات وصف القضاء على اسلحة الدمار الشامل وضمان قدرة ميديكار (التأمين الصحي) على العمل بانهما بعض من اهم انجازات ادارته. ثم القى بالمفاجأة قائلا: لقد وصلت الى هذا الموقع لحل المشاكل وليس لنقلها الى الرؤساء القادمين والاجيال القادمة. لا بد انه جعلهم يتدحرجون في ممرات البيت الابيض.

ففي الأشهر الاولى من ادارة بوش، كان المرء يسمع عادة ان الكبار عادوا الى المسؤولية. ولكن اذا كان مفهوم الكبار يعني التخطيط للمستقبل فهذه الادارة اقل ادارة للكبار في التاريخ الاميركي. فهي تحكم وكأنه لا يوجد غد ينتظره الآخرون مثلما لا يوجد في خبرتنا الوطنية ما يمكن ان يساعدنا لمشاهدة حكومة تعلن الحرب، وتزيد الدعم الزراعي وتؤسس نظاما للتأمين الصحي فيه المزيد من الخدمات، ولكنه لم يفشل فقط في وضع خطة لدفع نفقات كل ذلك في مواجهة عجز في الميزانية وانما في خفض الضرائب في الوقت ذاته.

ان الانباء الاقتصادية الجيدة لا التغيير هي الفيصل، فهذه ليست اجراءات مؤقتة تهدف الى اعادة الاقتصاد لوضع صحي، ولكنها استنزاف دائم للميزانية. وتشير التقديرات الجادة الى عجز في الميزانية طويل المدى حتى مع استعادة الاقتصاد عافيته، يصل الى 25 في المائة من الانفاق الفيدرالي. وهو ما يعني ان الحكومة الفيدرالية بما في ذلك ميديكار، التي حملها بوش مسؤوليات جديدة بدون موارد جديدة، ليست قريبة من امكانية الايفاء بجميع التزاماتها. ويضاف الى ذلك ايضا سياسة التجارة الدولية.

هذه هي الصورة التي تنظر بها اوروبا لموضوع الصلب: فقد فرضت الادارة تعريفات جمركية غير قانونية لاسباب سياسية داخلية، ثم غيرت رأيها عندما تلقت تهديدات بفرض تعريفات جمركية تركز على ولايات تتأرجح في ولائها السياسي. ولذا فقد اضعفت الولايات المتحدة مصداقيتها، وينظر اليها الان على انها امة تحترم تعهداتها فقط عندما تناسبها سياسيا. ولذلك فالامر الذي يلفت انتباهي هو ليس كيفية انقاذ هذه الجمهورية، ولكنه التدهور في الحكم، واختطاف المصالح الخاصة للسياسات العامة للبلاد.

ان مشروع ميديكار الجديد يمثل دعما ضخما لشركات التأمين والعقاقير الطبية، بالاضافة الى فائدة صغيرة بالنسبة للمتقاعدين. وبالمقارنة فإن مشروع الطاقة ـ الذي تعطل في الشهر الماضي، ولكنه سيعود مرة اخرى ـ هو اقرب للنقاء، وهل سمعت عن الدعم الذي سيسمح لشركة شرفبورت بالحصول على اول مطعم هوتر؟ الامر لا يتعلق بالتشريعات: فلا يكاد يمر يوم بدون قرار اداري يقدم فوائد ضخمة الى شركات مفضلة، على حساب الانفاق العام.

فعلى سبيل المثال صرفت إدارة الضرائب العام الماضي النظر عن محاولة شن حملة على استغلال الفوائد الضريبية لاستخدام الغاز السائل، وهو إجراء من شأنه ان يشجع انتاج انواع وقود بديلة، إلا ان الشركات منحت في نهاية الامر مليارات الدولارات في صورة اعفاءات ضريبية. ولكن إدارة الضرائب نفت من جانبها التهم التي وجهها واحد من محاميها بأن الشركة تعرضت لضغوط سياسية.

ومن باب المصادفة وجد محامي الشركة، بيل هينك، نفسه واحدا من عدد ضئيل من دافعي الضرائب الذين واجهوا اجراءات مراجعة بواسطة إدارة الضرائب.

قبل فترة قصيرة وصف جورج آكرلوف، الحاصل على جائزة نوبل في الاقتصاد، ما يحدث للسياسة العامة بأنه «نوع من النهب». سخر البعض في ذلك الحين من ذلك الحديث، إلا ان بعض المطبوعات المعروفة مثل «ايكونوميست»، التي ظلت تجد الاعذار مرارا للإدارة، باتت تدق جرس الانذار.

عملية النهب هذه تعتبر من ناحية مسألة تخص الحزبين الديمقراطي والجمهوري. فقد عبر بضعة جمهوريين عن تأييدهم لمشروع قرار الخدمات الصحية والطاقة أو الاثنين معا. إلا ان ادارة الرئيس بوش والقيادة الجمهورية في الكونغرس تقود هذه العملية. ترى، ماذا يعتقدون؟

النظرية الرائجة حاليا وسط الجمهوريين تتلخص فيما يبدو في ان بوش سيفعل كل ما بوسعه لكسب انتخابات الرئاسة المقبلة، وإنه سيعيد الناشطين السياسيين الى اماكنهم ويجلب خبراء السياسات ويواصل عملية إدارة الدولة.

ما يمكن قوله هنا هو ان هؤلاء يحاولون في داخلهم إنكار ما يجري. فكل ما نعرفه يدل على ان فريق بوش لم يفكر بصورة كافية حول إدارة اميركا عقب الانتخابات تماما كما لم يفكر بصورة كافية في إدارة العراق عقب سقوط بغداد وخلال فترة ما بعد الحرب. كما يبدو انهم يفتقرون الى أي أفكار حول ما ينبغي عمله في حالة الفشل.

* خدمة «نيويورك تايمز»