روسيا: تجربة ميتة.. أم عودة للحزب الواحد؟

TT

باستيلائه على الاعلام الجماهيري وموارد تمويل المعارضة السياسية أعاد فلاديمير بوتين ومجموعته من المنحدرين من المخابرات السوفياتية السابقة (كي جي بي) حكم الحزب الواحد الى روسيا.

فانتخابات الأسبوع الحالي غير النزيهة وضعت الـ«سيلوفيكي»، وهي الكلمة السياسية اللاذعة التي تعني «السلطة»، في الوضع المناسب ومهدت الطريق لتولي بوتين في الربيع المقبل منصب الرئيس مدى الحياة. ولا يمكن وصف تجربة روسيا القصيرة العمر مع الديمقراطية الا بانها تجربة ميتة.

ولا تروي نتائج التصويت الا جزءا من القصة. فقد فاز حزب بوتين ـ وهو مجموعة من الموظفين الحكوميين أكثر منه وجودا مستقلا ـ بنصف مقاعد الدوما (البرلمان). وقد انقسم الحزب الشيوعي الى قسمين يقف نصفه المنشق في معسكر بوتين. ويرحب القوميون الذين يقفون خلف الجامح فلاديمير جيرنوفسكي بالسيلوفيكي أيضا.

أما ما تبقى من المعارضة الليبرالية فأشبه بنخبة باهتة. ويعود السبب في ذلك، الى حد كبير، الى أن الاصلاحيين الديمقراطيين غريغوري يافلينسكي وبوريس نيمتسوف وأناتولي تشوبايس لم يتمكنوا من التوحد، ولم يستطع أي حزب يعتنق المثل الديمقراطية من الحصول على نسبة 5 في المائة من الأصوات الضرورية للبقاء في الدوما. وقام أحد قوميساري «السلطة» بتوديع ساخر للاصلاحيين الديمقراطيين: «لقد أكملت مهمتهم التاريخية».

أما أسباب انتصار كرملين بوتين على المعارضة التي تتبنى ديمقراطية حقيقية فتتمثل في سببين هما: المال والاعلام.

فالأموال الضرورية لتنظيم الأحزاب واقامة حملة انتخابية ضد حكومة محصنة جاءت من مورد يعترف بأنه غير مقبول: الأثرياء الموجودون في الخارج والذين يسعون الى حماية ثرواتهم غير المشروعة من المصادرة من جانب الدولة. وقد أبعد بوتين كثيرين منهم الى خارج البلاد وقام قبل شهر من الانتخابات بسجن أكبرهم. ولم يؤد هذا الى ارضاء عامة الناس حسب وانما الى تجريد المعارضة السياسية من القوة. وما هو أكثر أهمية بالنسبة لاستيلاء الحزب الواحد كان فرض القبضة الحديدية على الاعلام الرئيسي. ومرة أخرى نرى أنه لا يمكن أن تكون هناك ديمقراطية بدون صحافة حرة عنيدة. وقد تأكد بوتين من أن حرية الصحافة لم تعد موجودة في روسيا التي يحكمها. ونتيجة لذلك فان كل ما يراه الروس على شاشات التلفزيون وما يقرأونه في الصحف الرئيسية يثير البهجة بالنسبة للنظام.

ويجري اسكات أصوات المعارضة ببراعة أكبر مما كان يجري في العهد الشيوعي. فالمرشحون للرئاسة الذين يتجرأون على الحديث ضد حكم بوتين لا يجري نفيهم الى أراضي سيبيريا المتجمدة، بل يجري تجميدهم بحرمانهم من التغطية في الاسواق الرئيسية. ولا يمنح حشد خصوم الـ (كي جي بي) صفة الشهداء في معسكرات الاعتقال، ذلك أن أصواتهم تغرقها وسائل الاعلام الجماهيري التي تحولت الى أدوات للدعاية الحكومية.

وبينما أشارت تقارير المئات من المراقبين الخارجيين الى اساءة استخدام السلطة من جانب رجال بوتين في السيطرة على الانتخابات وبينما أدانت منظمة الأمن والتعاون في أوروبا «ارتدادا في عملية الدمقرطة»، زعم بوتين بأن انتخابات «حرة ونزيهة ومنفتحة وديمقراطية» قد جرت. (والحقيقة ان التعبير الوحيد عن الديمقراطية كان الاحجام الواسع عن المشاركة في الانتخابات). فما العمل اذن؟

يتعين أن لا يكون هناك مكان لروسيا الاستبدادية في مجموعة الدول الصناعية الديمقراطية الثماني.

ولهذا يتعين التخلي عن التوجه الى روسيا القمعية باعتبارها «جسرا» الى الأصوات الأوروبية في الأمم المتحدة، والتخلي عن اعتبار المساعدة الروسية عاملا في تحقيق النظام في العراق بدون تحطيم أمل الحرية السياسية. واذ تتطور النزعة البوتينية ـ الحكم القمعي عبر هيمنة المال والاعلام ـ فانها ستكون المثال الأخير الذي يحتاجه العراقيون.

بوسعنا أن نكون واقعيين في تعاملاتنا مع الأوتوقراطية المنبعثة في روسيا.

واذ يسعى الأميركيون الى تصدير الديمقراطية يتعين علينا أن نستخلص درسا واضحا بشأن السلطة والحرية من النجاح المقلق لعبادة بوتين: ان تركيز السلطة في الاعلام وكذلك هيمنة المال في السياسة من جانب الحكومة يمكن الزمرة السياسية من تركيز سلطتها. يجب علينا رفض ذلك في كل مكان. فالحرية تجد الضمانة في الأعداد، أما الديمقراطية فتعطي أفضل ما لديها عبر حماية التنوع.

* خدمة «نيويورك تايمز» ـ

خاص بـ «الشرق الأوسط»