تساؤلات حول حدود الإلزام

TT

خرج علينا من يدعي أنه المنسق الاعلامي لمؤسسة «سحاب» التي توصف بأنها تابعة لتنظيم القاعدة ليبشرنا بقوله ان شريطاً جديداً «لرئيس» تنظيم القاعدة اسامة بن لادن سوف يصدر قريباً قبل عيد الأضحى، وأن هذا الشريط سوف «يعد حدثا تهتز له المنطقة»، وعندما يأتي الحدث فإن «الشريط سوف يبث على قناة الجزيرة الفضائية».

منذ سنوات طويلة ـ أظن بعضنا ما زال يذكرها ـ كانت تجوب شوارع المدن سيارات تحمل فوقها ميكروفوناً عالي الصوت لتعلن عن فيلم هندي جديد دائماً هو أقوى من «سانجام»، ولم أعرف أبداً وحتى الآن ما هي قوة «سانجام» الذي ظل مقياساً ثابتاً لسنوات عديدة لقوة الأفلام. تطورت وسائل الدعاية والاعلان ودخلت الى السوق أشكال جديدة ساعد عليها التطور التكنولوجي الهائل، خاصة في مجال الاتصالات، ولكن فيما يبدو تطورت الوسائل وتراجعت الأفكار والثوابت.

عندما قرأت هذا التصريح الفج لمسؤول مؤسسة «سحاب» استحضرت تلك الصورة القديمة، واستحضرت معها الأساليب الحالية للدعاية والاعلان عن الألبومات الجديدة لمطربي هذه الأيام، وهي الأساليب التي تبدأ مع خبر صغير يمرره محرر مجهول في صحيفة مجهولة أو غير مجهولة عن الاستعدادات للألبوم الجديد، وتصل الى حد افتعال حكايات مزيفة تصل الي حد الخطف أو الاختفاء أو قصص حب وعشق مفتعلة ترتبط بالمغنية أو صاحبة الألبوم ليدور اللغط والحوار حوله أو حولها، وهو أسلوب يضمن انتشاراً للألبوم قبل صدوره. وما بين هاتين الطريقتين تتناثر أساليب أخرى متمثلة في الحوارات الصحافية أو مقاطع من الفيديو كليب، كل هذه الأساليب لتمهد لظهور الألبوم الجديد. وفيما يبدو فإن اسامة بن لادن أو «مدير أعماله» في مؤسسة «سحاب» قد تأثر بهذه الموجة الجديدة في أساليب الدعاية لدى شركات انتاج الكاسيت فقرر أن يتبع ذات الأسلوب طالباً من جمهور المتشوقين لمتابعة وسماع بن لادن الانتظار حتى قبيل العيد ليلتقوا به من جديد معلناً عن حدث كبير من أعماله، لو صح حدوثه ـ لا قدر الله ـ فإنه لن يخرج بالتأكيد عن اضافة أرقام جديدة في خانة الضحايا الأبرياء لأعمال الإرهاب التي فاخر بها المسؤول الاعلامي لمؤسسة «سحاب» عندما أشار الى أن بث الأشرطة الأخيرة لمنفذي التفجيرات التي استهدفت حي المحيا في الرياض هو دليل كاف من «القاعدة» على مسؤوليتها عن تلك التفجيرات.

لم يستوقفني فقط أسلوب الدعاية للألبوم القادم ـ عفواً ـ للشريط القادم لاسامة بن لادن، ولكن ما استوقفني حقاً هو ذلك الأسلوب الذي أكد فيه المسؤول الاعلامي بنبرة لا تخلو من التحذير بأن المؤسسة ـ أي سحاب ـ سوف تقطع علاقتها بقناة «الجزيرة» اذا امتنعت الأخيرة عن بث أي شريط لها، مكرراً «القناة ملزمة بنشر أي شريط نقوم بإرساله إليها»، وأنا هنا أطرح السؤال، الذي أعتقد في أهميته، حول حدود الالتزام الواجبة من أي وسيلة اعلامية تجاه مصادرها، وهل من حق المصادر أن تفرض على الوسيلة الاعلامية أسلوباً معيناً في بث المعلومة التي يخصها بها حتى لو كانت انفراداً؟ وماهي المعايير التي ينبغي للوسيلة الاعلامية ـ وهي هنا قناة الجزيرة ـ التي على أساسها توافق بلا قيد أو شرط على بث كل ما تنتجه مؤسسة «سحاب» لنجمها اسامة بن لادن؟ وهل في المسألة علاقة بقضية الاحتكار التي بدأت تسود الأوساط الفنية والعربية، ويبدو أنها بدأت تتسلل الى الأوساط السياسية والإرهابية أيضا؟.. لست أميل بطبعي الى نظريات المؤامرة، ولا أعتبرها حاضرة هنا، ولكن أظن أن كل التساؤلات السابقة تقع في إطار المشروع من الأسئلة.

جميعنا في انتظار الشريط الجديد لبن لادن، ولن أحزن لو لم يصدر، وسوف أكون أكثر سعادة لو صدر وهو يحمل على لسانه تجريم كل ما حدث بيده أو بأيدي رفاقه وتابعيه، وندم على ما فات، واعلن عن اكتشاف مدى الخطأ والجرم الذي تسبب ويتسبب فيه، والذي يدفع ثمنه الأبرياء، وكل المسلمين والعرب في كل مكان. أتمنى أن يكون شريط مراجعة، وله في موقف الجماعة الاسلامية المصرية التي راجعت مواقفها اخيرا مثلاً جديرا بأن ينظر إليه بعين الاعتبار، هي أمنيات لا أظن أنها سوف ترى الواقع.

[email protected]