رجل الكهف

TT

ربما الوحيد الذي كان يحتاج الى صدام حسين، هو صدام حسين نفسه ليوفر عليه هذا الذل الذي وصل اليه «رجل الكهف» الذي كان مختبئا في احد الاقبية.

وقد تكون صدمة العراقيين كبيرة جدا، لأن هذا الديكتاتور الذي حكمهم بالرعب والترهيب سنوات طويلة، هو في الواقع جبان، لم يكلف اعتقاله اطلاق رصاصة واحدة، بل لأنانيته التي لا يمكن وصفها، ليس فقط انه لم يقاوم، كيلا نجرؤ ونخدع انفسنا بالقول، انه لم ينتحر، ظهر وكأنه كان ينتظر ساعة «يهبط» عليه الاميركيون ويعتقلونه، ولا يهم بعدها ما سيحدث، طالما انه ظل على قيد الحياة.

صدمة العراقيين هذه، ستضاف الى احساس داخلي تعاني منه اغلبيتهم، وهو ان النظام اطيح في مدة لا تزيد عن ثلاثة اسابيع، من دون ان يشاركوا هم في اسقاطه.

طبعا لن يتم تعذيب صدام حسين الآن، لأنه لن يتهم بجرائم لم يرتكبها ويجبر على الاعتراف بها تحت التعذيب. ان محاكمته مطلوبة، وربما لن يصدر حكم بالاعدام عليه تجنبا لما يمكن ان تنم عنه حالته لدى صدور الحكم، فرجل بمثل هذا الجبن، لا يمكن تخيل ما سيحل به لو صدر حكم بالاعدام بحقه، ولن يعامل او بالاحرى، يجب ألا يعامل كما عومل به بعض كبار ضباط النازية، بأن يعطى في زنزانته مسدس ليطلق النار على نفسه، لقد نبذته الرجولة لحظة قتل اول انسان بريء، وكم ان عدد الابرياء الذين قتلوا على يديه او بأوامر منه، كبير وكبير.

ان اعتقال صدام حسين هو نقطة تحول جذرية في المسرح السياسي العراقي، ستتيح للعراقيين التطلع بثقة نحو المستقبل وتشجعهم على المصالحة الوطنية، وان مراهنة بعض الذين في الداخل او في الخارج على انه سيعود، هي مراهنة خاطئة. ويجب على كل الذين ما زالوا يتدخلون في العراق بطريقة سلبية، ان يتركوا العراقيين لحالهم كي ينظروا الى مستقبلهم نظرة بناءة، والأهم ان يدركوا ان زمن الرعب الذي زرعه صدام حسين في قلوبهم وفي الارض العراقية، انتهى الى غير رجعة. علينا ان نفرح لتنفس العراقيين رياح الحرية والديمقراطية.

كذلك سيكون لاعتقال صدام حسين تأثير دراماتيكي على الذين يشنون العمليات خصوصا الذين يقتلون شرطة عراقيين او ينسفون منشآت عراقية، سيزول الوهم لديهم بأن صدام سيعود، ومن المؤكد ان تأثير اعتقاله على الوضع الأمني سيكون ملموسا، هذا لا يعني انتهاء العمليات بشكل كامل، بل ستكون هناك عمليات فردية، انما على المدى الطويل سيهدأ الوضع.

لقد نجح الاميركيون، في اعتقاله حيا، بالقضاء على اي وهم بأن صدام حسين سيزلزل العالم لحظة نهايته، ومع تصورنا لحجم المكافأة التي حققها الرئيس الاميركي جورج دبليو بوش بعملية الاعتقال هذه، بعد الفشل في اعتقال اسامة بن لادن، يجب ان يكون لهذه العملية وقعها ايضا على تصرفات القوات الاميركية في العراق، فتتوقف عن الاساليب الشرسة والمهينة في التعامل مع العراقيين، وتتصرف، كما ذكرت واشنطن في البداية، وكأنها قوات تحرير.

من المستبعد ان يكون الاميركيون قصدوا فعلا «اتهام» صدام حسين بأنه يدير المقاومة.

وقد يكون منذ سقوط نظامه وهو يختبئ، في ذلك الكهف، انما قد يعمد الاميركيون الى التحقيق معه قبل تقديمه للمحاكمة. ولجهله، قد يعمد صدام حسين الى التظاهر بالجنون، غير مدرك، كما عاش طوال حياته، بأن العلم يكشف كل شيء... ربما يأمل الاميركيون ان يكشف لهم مخابئ «رفاق مجلس قيادة الثورة» او اين يخبئ اسلحة الدمار الشامل.

كل هذا لن يحدث، ما سيحدث ان المسبحة ستكر، داخل العراق وخارجه ايضا. كل طرف سيعيد مراجعة حساباته الآن، المهم، ان العراقيين تأكدوا ان صدام لن يعود، ونظامه ذهب الى غير رجعة..

اما من سينال جائزة الخمسة وعشرين مليون دولار التي وعد بها الاميركيون لمن يدل على مكان صدام حسين؟ فقد تكون ثمنا لأول مدماك لصرح الحرية الحقيقية في العراق..

يبقى سؤال يحيرني شخصيا: لماذا لم ينتحر صدام حسين؟ فهل قرر ان يعترف بكل المجازر التي ارتكبها؟ ام انه اعتقد ان احداً لن يدفع ثمن الرصاصة التي تقضي عليه؟

We got Him

عبارة ادخلت بول بريمر التاريخ!