الخزي المكعب

TT

لا يسعني غير ان أكرر ما قلته في عدة مناسبات سابقة. وهي ان هتلر لم يتلق مهانة من أحد كما تلقاها منا. وجاءت اهانتنا له بمقارنته بصدام حسين. اين هذه النهاية المخزية التي انتهى اليها صدام يخرجه الأمريكان بالملقط من جحره، بنهاية هتلر وهو يواصل القتال مع ضباطه وجنوده حتى النفس الأخير ثم ينتحر ويأمر بحرق جثته لئلا تقع بيد العدو. ولكن نهاية صدام جاءت كنهاية كل الاشقياء، يعربد ويعيث فسادا حتى يقع بيد الشرطة فيتحول الى جرذي خائف.

ولكن خزيه لا يقارن بشيء امام خزي رفاقه البعثيين. وأنا لا أقصد هنا صغار الاعضاء من الحزب، وانما قادته الذين عرفوا منبته ونشأته ومعدنه، كيف سولت لهم انفسهم تسليم حزبهم لمثل هذا الشخص ثم التهالك على تعظيمه واعلاء شأنه ورفعه الى مرتبة الآلهة والتصفيق لكل جرائمه وغزواته وجاهلياته؟ الخزي لهم أبد الآبدين.

ولكن خزيهم هذا لا يقارن بشيء أمام خزي الاعلاميين والمفكرين العرب الذين واصلوا وما زالوا يواصلون التمسح بذيل هذا الجرذي. فربما يجوز لقادة البعث ان يبرروا ركوعهم له بالاشارة الى خوفهم من بطشه وحاجتهم الى مكرماته، فالحق يقال انهم كان بينهم من حاول الوقوف في وجهه ولقي حتفه. ولكن ما عذر الاعلاميين والمفكرين وبعض الساسة العرب؟ ما عذرهم بعد أن نشرت صحيفته الملطخة بالدم والعار والشنار؟ ما عذرهم بعد ان كشفت القبور الجماعية وصفحات سجله الاجرامي والشنط المليئة بملايين الدولارات المسروقة من شعب جائع؟ لم يكونوا معرضين لبطشه أو محتاجين لمكرماته، ما دفعهم الى تحمل هذا الوزر؟ إن كان هو الجهل، فيا لخزيهم. وان كان هو الطمع فيا للخزي المربع وإن كان هو الاستخفاف بحقوق الناس وحياتهم فهو الخزي المكعب.

قرأنا الكثير عن النهايات المأساوية لشتى القادة في التاريخ. الحسين عليه السلام قاتل حتى استشهد. عبد الكريم قاسم تحدى خصومه وواجه رصاصهم كرجل. يوليوس قيصر هتف قائلاً: «حتى انت يا بروتس؟ اذن فمت يا قيصر». كاسيوس اخذ المدية من حارسه وقتل نفسه بها. هتلر أخذ امرأته وكلبه وانتحروا جميعاً. نابليون خسر معركة واترلو فاجتاز ساحة المعركة وسلم سيفه لولنغتن. سعيد قزاز واجه المهداوي وقال: «عندما سأصعد المشنقة سيكون تحت قدمي رجال لا يستحقون الحياة» رشارد الثالث وقد قتلوا حصانه من تحته، ظل حاملاً سيفه يقاتل راجلاً وينادي «خذوا مملكتي واعطوني حصاناً».

سمعنا ايضا عمن تخاذلوا وسلموا ملكهم كالمستعصم، ومن هربوا بحياتهم كصقر قريش، سمعنا حتى عمن ماتوا في احضان الجواري كالوليد، ومن ماتوا من التخمة والسكر كالامبراطور كلوديوس، ولكن هذه اول مرة اسمع فيها عن قائد اهلك العالمين ودوخ الدنيا بغطرسته، ثم يلقطونه من ذيله كالفأر القابع في جحر. حفرة حقيرة بعمق القبر قبع فيها متنكراً بلحية رثة. يستسلم بكل مذلة ومهانة. يفتح فمه كالأبله ليعدوا اسنانه. كلا لم ينتحر كما توقع الكثيرون، ولا قاتل كابنه الازعر عدي. يظهر انه سمع بأن عقوبة الاعدام الغيت في العراق. فركن لرحمة الامريكان. وحياته كل ما يهمه، ولو في ابو غريب، السجن الذي أباد فيه ألوف الابرياء. لا بأس! بس اللي يموت يخسر. سيجلس في ابو غريب ينتظر المواجهة مرة بالشهر. لعل احداً من الاعلاميين العرب، يحمل له سلة فيها قطعة جبن وصمونة وكم رأس بصل وكم تمرة زهدي. بس اللي يموت يخسر! وصدام ظل ذلك الرجل المحظوظ في سقوطه. لقد وقع بيد الامريكان ولم يقع بيد العراقيين.

www.kishtainiat.com