.. ولا تفرحوا ..فالكلمة الآن للمقاومة

TT

عملية الاعتقال الاستعراضية للرئيس العراقي السابق صدام حسين ليست «نهاية متاعب» قوات الاحتلال في العراق.

تداعيات الحدث تتجاوز بالضرورة الصور التلفزيونية ونشوات النصر في واشنطن واميركا، وفي اعتقادي فإن هذه ليست «ساعة المصالحة» حسب ما قال رئيس الوزراء البريطاني توني بلير، بل ساعة مواجهة الحقائق الرئيسية في ميادين مشتعلة بشلالات الدم بلا لف أو دوران، أو سيول اكاذيب جديدة.

وبغض النظر عن الموقف من سياسات الرئيس العراقي السابق فإن المشهد بصوره وايحاءاته حمل لقطاعات واسعة من الرأي العام العربي شعورا عميقا بالمهانة، هذه اول مرة منذ نحو قرن يعتقل فيها رئيس أو قائد عربي كبير من قبل قوات احتلال اجنبية، وعلى عكس التصريحات الاميركية والبريطانية المنتشية باعتقال صدام حسين، والتي توقعت انخفاضا كبيرا في المدى القريب لعمليات المقاومة العراقية، فإننا نتوقع ضخ دماء جديدة في شرايينها، وربما تكون «المفاجأة الاستراتيجية» دخول قوى شيعية أحجمت حتى الآن عن المشاركة في عمليات المقاومة والدخول الى ميادينها المفتوحة.

فمن المعروف ان احجام الشيعة عن المشاركة في عمليات المقاومة يرجع الى خشية ان يؤدي تصاعدها الى احتمال عودة صدام حسين مرة أخرى الى سدة الحكم بمعنى ان ثارات الدم بين الحكم العراقي السابق والشيعة لعبت دورا محوريا في عدم شمولية المقاومة للمناطق الشيعية وبخاصة في الجنوب واقتصارها حتى الآن على المثلث السني وسط العراق، ومن الخطأ البالغ اختزال المقاومة في بلد عربي عريق في حجم العراق في رئيسه السابق، أو نسبة المقاومة اليه وحده، بالترديد الببغائي لـ «نظرية الفلول» في تفسير عمليات المقاومة. فالمقاومة ليست فلولا أو جماعات ارهابية صغيرة يسهل القضاء عليها بترويج الدعايات السلبية حولها.

والصورة التي بدا عليها صدام حسين بعد اعتقاله لا توحي ـ على أي نحو ـ بأنه كان يقود فعلا المقاومة العراقية ـ أو ان قواها الغالبة تلتزم بتعليماته. قد يكون له دور، ولكنه ـ باليقين ـ ليس الدور الرئيسي أو الحاسم.

ومن المؤكد ان الرئيس الاميركي جورج بوش حقق نصرا رمزيا ومعنويا كبيرا باعتقال صدام حسين، لكن وهج النصر سوف يطفأ سريعا مع أول عملية مقاومة كبيرة، وربما تؤدي نشوة النصر لمزيد من العجرفة الاميركية في المنطقة باعتقاد ان الرسالة وصلت الى اصحابها وان مصائرهم معلقة على رضا الولايات المتحدة، بما قد يستتبعه ذلك من تدخلات أوسع واخشن في الشؤون الداخلية العربية.

الاخطر من ذلك كله ان الاجندات الحقيقية للحرب على العراق وعلى رأسها السيطرة على مخزون النفط واعادة صياغة المنطقة من جديد لصالح دور اسرائيلي مهيمن سوف تتكشف بصورة تسقط نهائيا والى الابد ادعاءات ان قوات التحالف قد جاءت لازاحة ديكتاتورية صدام حسين واقامة مجتمع حر ديمقراطي ونزع اسلحة الدمار الشامل، فملف اسلحة الدمار الشامل تحول الى فضيحة كبرى والديمقراطية تلخصت في مجلس حكم انتقالي يفتقر الى أي شرعية، وعمليات مداهمات البيوت وانتهاك لحرمات العراقيين مع شيوع الفوضى وغياب الامن.

وباعتقال صدام حسين لا بد من طرح سؤال.. لماذا لا تنسحب قوات الاحتلال.. ولماذا تمانع الولايات المتحدة في تسليم الملف العراقي الى الامم المتحدة حتى يتسنى اجراء انتخابات حرة ديمقراطية تأتي بحكومة شرعية لا دمية في يد قوات الاحتلال. وباليقين فإن الاحتلال لن يحمل عصاه ويرحل الا بضغط المقاومة وعملياتها، فكما يقولون في علم الرياضيات، لكل فعل رد فعل مساو له في القوة ومضاد له في الاتجاه، ورد الفعل الوحيد المشروع على الاحتلال هو المقاومة وكلمتها هي الفصل.

* رئيس تحرير جريدة العربي الناصرية