الخوف من الطيران

TT

لم يكن احد في حاجة لسماع خبر سقوط الطائرة المصرية المؤلم، فمناخ الطيران حافل بالتخويف والترويع منذ سقوط طائرة بنين اللبنانية وتحذيرات الطيران الجديدة، لكن علينا ان نقبل بحقيقة حوادث الطيران كما نرضى بقدر حوادث السيارات، فلا طيران بلا تحطم طائرات.

غادرت لندن في هذا المناخ المتوتر مع تزايد الانباء عن هجوم وشيك بالطيران المدني من قبل تنظيم «القاعدة» على متن طائرة ما، عربية او اميركية او بريطانية او حتى مكسيكية. لم ألحظ في مطار هيثرو اجراءات مشددة جديدة، لأنه لم يعد هناك اكثر تشددا مما هو عليه الا باغلاقه. فرجال الأمن مسلحون برشاشاتهم، وهي عادة دخيلة على البريطانيين الذين اعتادت شرطتهم فقط على حمل العصي، صارت مألوفة بعد احداث سبتمبر. واجهزة التفتيش صارت تشترط خلع المعاطف وازداد عدد الكاميرات التي رُكّبت حديثا تراقب كل الزوايا، ومخبرو المباحث يمشطون الممرات ذهابا وايابا رغم انهم يحاولون الظهور بمظهر المسافرين.

رغم انذارات الايام القليلة الماضية، اعتقد ان كثيرين، مثلي، صاروا اقل حذرا وأقل انزعاجا عما كان عليه في الفترات الماضية، فنحن سنسافر مهما علت اصوات التحذير ولن نقبل ان نكون رهينة المخاوف التي لا تنقطع. ان اعظم علاج لمثل هذه المخاوف الايمان بالقدر، خيره وشره. تركب طائرة وانت لا تدري إن كان عامل الصيانة الذي تراه من نافذة الطائرة قبل الاقلاع صان الطائرة كما ينبغي، او ان عمال الشحن لم يجاملوا الركاب ويتجاوزوا الوزن، او ان كابتن الطائرة ليس مخمورا، بعد ان اتضح ان بعضهم يصعدون الى الاعلى قبل ان يقلعوا بطائراتهم، ولا تدري إن كان الراكب امامك يحمل في حقيبته زجاجة عطر ام بنزين، او ان جارك الحليق صاحب الحذاء الجميل يخبئ فيه قنبلة، او ان الراكب الذي وراءك ليس مختلا عقليا. وكل هذه الاحتمالات وقعت مرات في الماضي، واغربها ذلك الراكب الذي اجبرته شرطة المطار على الركوب رغم انه كان يصرخ عندما اقترب من باب الطائرة ويقول لهم بعينين زائغتين ان في الطائرة جنيا. قالوا له ساخرين «بلا جن بلا عفاريت». وعندما اقلعت الطائرة ركض الراكب نحو باب الكابينة الذي كان مفتوحا لبرهة ودفع بمقود الطائرة الى الاسفل رغم محاولة الكابتن ومساعده ان يجراه الا انه تشبث به بيد من حديد وكانت الطائرة تهوي نحو الأرض بسرعة هائلة والراكب في حالة صراخ هستيري، اخيرا تمكن احدهم من ضربه على رأسه ورفع الطائرة قبل الارتطام بالأرض بقليل.

اذا حسبنا كل هذه الاحتمالات، وهي كثيرة، فان الأفضل الا نسافر. لكن المخاطر كثيرة في كل يوم من حياتنا، حيث يتعين علينا ايضا الا نخاطر بركوب السيارات ولا نسبح في البحر ولا حتى نعبر الشارع المقابل لبيتنا. ان الخوف من الطيران مبالغ فيه رغم كل ما يقال، ففي الولايات المتحدة، وانت تقرأ هذا المقال تطير نحو ثلاثة آلاف طائرة، واذا كان هذا هو حالهم فاننا اولى ألا نقلق.