الأميركيون باتوا يعيشون مع الخوف

TT

هل لنا ان نعيد تشغيل شريط الفيديو ونعود الى يوم 15 ديسمبر(كانون الاول) من العام المنصرم عندما عبر هاوارد دين عن ارتياحه ازاء إلقاء القبض على صدام حسين قائلا ان اعتقال الرئيس العراق السابق «لن يجعل الولايات المتحدة أفضل أمنا وسلامة»؟ تعرض هاوارد دين، فور إدلائه بهذا التعليق، لتوبيخ وانتقاد عنيف من معارضيه وعلى وجه الخصوص من جان جو ليبرمان، الذي قال ان «هاوارد دين لا يزال حبيس جحر إنكار الواقع».

عقب مرور ستة ايام فقط قررت السلطات الامنية الاميركية رفع حالة التأهب الى ثاني اعلى مستوى لها تحسبا لهجمات ارهابية اشبه بتلك التي وقعت في 11 سبتمبر (ايلول) 2001. وفي وقت لاحق الغيت ست رحلات للخطوط الجوية الفرنسية (اير فرانس) من باريس الى مطارات اميركية. واخيرا طلبت الحكومة الاميركية وضع حراس مسلحين على متن الرحلات الجوية الاجنبية لاعتبارات تتعلق بقواعد الطوارئ.

ترى، هل اصبحت الولايات المتحدة بعد كل ذلك افضل وضعا من ناحيتي الامن والسلامة؟

في ليبيا حدث تحول كامل في موقف معمر القذافي الذي اصدر قرارا بالسماح بتفتيش منشآت بلاده النووية. إلا ان باكستان شهدت محاولة اخرى لاغتيال استهدفت الرئيس الجنرال برويز مشرف، الذي تملك بلاده اسلحة ومواد نووية وعلماء في المجال النووي.

مرة اخرى، هل اصبحت الولايات المتحدة افضل حالا من ناحيتي الامن والسلامة؟

هذا السؤال لا ينم عن بيان أو فصاحة أو استعلاء، كما انه ليس دفاعا عن هاوارد دين، لكنه استفسار مباشر يتعلق بالعام الجديد والحملة الانتخابية.

الكل يدرك ان هجمات 11 سبتمبر 2001 احدثت تحولا في شعور اميركا بالتعرض للخطر، واعتقد ان كلمة «شعور» هي المفردة المناسبة للاستخدام في هذا السياق. اؤلئك الذين يعملون على تقدير الاخطار وتقييمها سيقولون لك انه عقب مقتل حوالي ثلاثة آلاف شخص في هجمات 11 سبتمبر 2001 لقي ما يزيد على مائة الف شخص حتفهم في حوادث السير. كما سيقول المسؤولون عن تقدير وتقييم الاخطار ان هذه الارقام لا علاقة لها بما «يشعر» به الاميركيون.

الهدف من الارهاب هو إثارة الذعر والخوف. ففي كتابها بعنوان Terror in the Name of God، تقول جيسيكا شتيرن ان «مدى الضرر النفسي والمعنوي الناجم عن الهجوم الارهابي اكبر بكثير من الاضرار المادية التي يتسبب فيها هذا الهجوم». كما قال الرئيس جورج بوش العام الماضي: «نرفض ان نعيش في حالة من الذعر» مبررا الحرب الاستباقية ضد العراق ضربة لتبديد هذا الذعر. ومن المتوقع ان تركز حملة الرئيس بوش المرتقبة لإعادة انتخابه على إقناع الناخبين الاميركيين بأن العالم كان مكانا خطرا وأن ادارته قد جعلته اكثر أمنا وطمأنينة.

ترى، هل اصبح الاميركيون بالفعل في مأمن من الخطر الآن، وهل هم أكثر امنا مقارنة بدول اخرى، ام انهم الأكثر امنا؟ ثم، اذا كان الاميركيون الآن لا يعيشون في خوف كما قيل، ألا يبدو واضحا انهم باتوا يعيشون مع الخوف؟

تعتبر الولايات المتحدة بكل الحسابات والمقاييس الاحصائية دولة آمنة للغاية. لكنها في نفس الوقت دولة يشتري فيها الشخص انبوبة معجون الاسنان وقد كتب عليها تحذير، كما من الممكن ان يؤدي اكتشاف بقرة مصابة بمرض جنون البقر الى ذعر جماعي وربما تحول الكثيرين الى نباتيين.

اثارت ردود افعالنا ازاء حالة التأهب الاخيرة مخاوف واسعة. فقد اسفر وجود صندوق احذية كانت بداخله دمية ترك على سلم احدى المكتبات في مدينة بيوريا بولاية اريزونا الى إخلاء المبنى من حوالي 5000 شخص. وفي وقت لاحق قال رئيس البلدية لأحد الصحافيين ان المدينة تعتبر «في خط المواجهة الاول في الحرب ضد الارهاب».

يكمن جزء من المشكلة في ان قضية الامن والسلامة امر نسبي يتفاوت من منطقة الى اخرى. فما يعتبره البعض حالة تأهب قصوى في واشنطن يعتبره آخرون حالة تأهب اقل مستوى في مدينة اخرى. ترى اذا وفرنا الحماية ضد الانثراكس هل سيتحول الارهابيون الى نشر مرض الجدري؟ واذا وضعنا حراسا مسلحين على متن الطائرات، منعا لتسلل الارهابيين الى قمرة القيادة، هل سينجح الارهابيون في اختراق الحراس، وهل من المحتمل ان يلجأوا الى طائرات الشحن؟

ليس هناك صفر مطلق فيما يتعلق بالسلامة. فأكبر مشكلة فيما يتصل بـ«الشعور» بالتعرض للخطر تكمن في المكان المناسب الذي ينبغي ان نضع فيه امكانياتنا المادية ومخاوفنا ايضا. وبوصفي من جيل مختلف، فإن الهجوم النووي هو أسوأ السيناريوهات لدي. وكما قال جون ادواردز بكل قوة، فإنني لست مطمئنا تماما. وفي نفس الوقت لا اشعر بارتياح كامل ازاء الطريقة التي اعلنا بها الحرب على الخوف. اعتقال صدام حسين جعلني اشعر بالارتياح وليس بالطمأنينة.

لا أزال اتذكر ما قاله مسؤول بالادارة الاميركية حول الترسانة النووية لباكستان: «الامر الذي يثير قلقنا هو ما لا نعرفه».

ولكن بوسعنا ان نقول ذلك حول اي شيء. ما يمكن قوله هنا هو اننا سندرك الخيار الصحيح فقط عندما نلقي نظرة على الاداة التي وصفها هاوارد دين ساخرا بـ«منظار احداث الماضي».

من المنتظر ان نسمع خلال هذا العام الكثير من وعود مرشحي الرئاسة بجعل الولايات المتحدة منطقة افضل من ناحية الامن والسلامة، إلا ان تقدير وتقييم مدى الامن والسلامة امر يمكن ان نحدده من خلال الواقع المباشر.

* خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الاوسط»