لماذا كركوك؟

TT

حتى الآن، يحاول مسؤولو التحالف في العراق تصوير الاحداث التي وقعت في مدينة كركوك، بين الاكراد والعرب والتركمان، خلال الاسبوع الماضي، على انها استثناء وليست القاعدة، لكنهم ضمناً يعترفون بأن المشاكل قد تتزايد مع اقتراب تاريخ الثلاثين من حزيران (يونيو) موعد تسليم السلطة الى العراقيين.

وبعد ان رفض القادة الاكراد خطة اميركية لعراق فيدرالي، لا تضمن الحكم الذاتي لكركوك، وهي الخطة التي ناقشها نهاية الاسبوع الماضي في اربيل، المسؤول الاميركي بول بريمر ونائبه البريطاني السير جيريمي غرينستوك، قررت الادارة الاميركية، عدم ادخال اي تعديلات الى دائرة الحكم الذاتي في كردستان، تاركة الامر لحكومة عراقية في المستقبل، ان تقرر وضع شمال العراق، وهذا فتح المجال وسيفتحه اكثر للصراع على السلطة وعلى النفوذ بين الدول المجاورة للعراق مثل ايران وتركيا وسوريا، وقد اختار الرئيس السوري بشار الأسد قبل البدء في زيارته الى انقرة، توجيه رسالة الى الاكراد، تقربه من تركيا اكثر، بأنه لن يسمح بدولة كردية مستقلة.

من المعروف ان العلاقة السورية ـ التركية لا ترتكز فقط على موقف سوريا من اكراد العراق، انها ابعد وأكثر تشعبا، تدخل فيها وساطات وحمل رسائل الى دول اخرى وحدود واسترجاع اراض. وليس من مصلحة واشنطن ان تصبح منطقة كردستان العراقية وسيلة شد حبال بين الدول المجاورة للعراق، كما انه لن يكون في مصلحة الاكراد ان تصبح كردستان العراق ورقة الضغط التي يحركها كل من له مطلب من الولايات المتحدة، مع العلم ان ايران حتى الآن، لم تدل بعد بدلوها، وقد ينجح الاكراد، اذا حشروا في الزاوية ان يعودوا الى تكتيكاتهم السابقة، بالتحالف مع دول في المنطقة، لينقذوا انفسهم من تهديدات او حسابات دول اخرى، وهذا قد يؤثر لاحقا على استقرار اي حكومة عراقية في المستقبل.

منذ عام 1991، اثر تحرير الكويت من الغزو العراقي، والاكراد في شمال العراق يتمتعون بنوع من الاستقلال، توصلوا اليه بعد اربع سنوات من المواجهات العسكرية ما بين حزبي مسعود البرزاني وجلال الطالباني، وادى الغزو الاميركي للعراق الى تمسك الاكراد بفكرة الحكم الذاتي، ودفع سقوط نظام صدام حسين وتحريك تركيا لمطالبتها بمدينة الموصل، بالاكراد لادخال كركوك في منطقة الحكم الذاتي التي يعتقدون انها تعود اليهم تاريخيا.

ان كركوك مدينة نفطية، واذا نجح الاكراد في السيطرة عليها فسوف تضمن لهم مصدرا ماليا يدعم استقرار منطقتهم، لذلك عندما ستوضع مسألة النظام الفيدرالي امام الحكومة العراقية في المستقبل، لا بد ان يطالب الزعماء الاكراد بحصة كبرى من عائدات نفط كركوك، وهذه النقطة بالذات قد توتر الاوضاع، لأن اي حكومة عراقية مركزية، ستطالب بالعائدات المالية من اجل اعادة البناء. حتى الآن، تقول الولايات المتحدة انها مع «عراق واحد» تاركة مناقشة التفاصيل للحكومة العراقية! لكن، الغارة التي شنتها القوات الاميركية في الثاني من الشهر الحالي، على مكاتب احزاب كردية، تضمنت اشارة للاكراد بعدم تجاوز الخطوط الحمر مسبقا، فواشنطن حتى الآن لم تكسب سنةّ العراق، وتراقب عن كثب الاتصالات التركية ـ السورية وتنتظر مردود وقع تصريحات مسؤوليها تجاه الانفتاح على ايران.

لذلك، على الاكراد الاسراع بالدفع الى الحصول على قرار عراقي ـ اميركي، حول مستقبل الحكم الذاتي في كردستان. لقد وصلت الاوضاع الخارجة عن نطاقهم الآن الى منعطف حاسم، ويجب عليهم قدر المستطاع العمل لعدم جعل مصير الحكم الذاتي الكردي يتحول الى صراع سياسي كبير، فرغم انهم اثبتوا عن قوة وتعاضد، الا ان هناك من يريد ابقاءهم الورقة الاضعف، وقد دلت احداث كركوك المفاجئة على هذا!