طريق مفتوحة إلى عراق جديد

TT

في الصيف القادم ستتم محاكمة صدام حسين على جرائم ضد الانسانية. ومحاكمته لن يتولاها مجلس الحكم العراقي الحالي الآن لسببين: الأول، انه غير مخول بذلك، لأنه مجلس أقامته القوات الامريكية والبريطانية الموجودة على أرض العراق والمسماة «سلطة التحالف». والثاني، ان العراق يمر بمرحلة إعادة بناء، وعلى القضاة ان يبتعدوا عن أطراف النزاع ويكونوا من ذوي الخبرة. كما أن الجرائم المذكورة تدخل ضمن اتفاقيات جنيف التي أصبحت من القواعد الملزمة، وهي موجهة أساساً للحكام الطغاة وليس لرجل الشارع. ومحاكمة صدام أمام القضاء العراقي قد تفسح المجال للمحامين العراقيين للإقتصاص من الطاغية، وبالتالي ستكون كمحاكمة المنتصر للمهزوم، أي ما يسمى بعدالة المنتصر.

محكمة الجرائم الدولية في لاهاي، لا تنظر في جرائم الحرب التي حدثت قبل إنشاء المحكمة في يوليو 2002. كما أنها تفصل في القضايا التي تقدم اليها من قبل مواطني الدول الموقعة على إنشائها، وكل من العراق وأمريكا لم يصدق على إنشاء المحكمة.

الخيار الآخر هو تكوين محكمة جرائم حرب خاصة يديرها قضاة دوليون، وتعمل بشكل مشابه للمحكمة التي أقامتها الأمم المتحدة بشأن رواندا ويوغسلافيا السابقة، لكن عيوب هذه الطريقة أنها بطيئة ومكلفة، فضلاً عن أنها مقامة بعيداً عن مسرح الجريمة، والمرافعات القضائية فيها تدار في الغالب بلغة لا يفهمها سوى قليل من أهالي الضحايا.

لذلك، فان أفضل خيار هو إنشاء محكمة مختلطة تدعمها الأمم المتحدة، وتتكون من قضاة دوليين وعراقيين، ومكانها العراق، وتعمل وفقاً للقانون الدولي. وبالفعل، فقد انشئت محكمة من هذا النوع منذ فترة قريبة، للنظر في جرائم الحرب التي حدثت في سيراليون وكمبوديا. وسوف يستفيد العراق من الخبرة الدولية المتراكمة في إدارة مثل هذه المرافعات القضائية المعقدة. فبعض القضاة من دول اسلامية، كما ان هذه المحكمة ستحمي الشهود وأهالي الضحايا وتضمن العدالة في أعلى مستوياتها الدولية. لكن هذه المحكمة لن تقـر عقوبة الاعدام، فالأمم المتحدة لم تنشئ محكمة بهذا الشكل أبداً.

صدام رجل بلا ظل، انتهى أمره والقبض عليه ألحق ضرراً نفسياً وهزيمة بأعوانه من البعثيين وفدائيي صدام. فصدام فتح عليهم نافذة للأمريكيين الذين اكتشفوا ما بحوزته من وثائق وأسماء عن أتباعه. لكن الأمر لا يقف عند هذا الحد، فهناك المقاومة العراقية، وهي متعددة الألوان وذات دوافع مختلفة، وإن يكن هدفها المشترك هو مواجهة الجنود الامريكيين وجنود التحالف الآخرين بصفتهم قوات احتلال لا تحرير. فنجد من بين فئات المقاومة، عراقيين تحركهم النزعة الوطنية واسلاميين يدفعهم شعورهم الديني، ومن تطوع فيها من غير العراقيين أخذاً بمفهوم الجهاد، علماً بأن مصادر تمويلهم تأتي من عامة الشعب، والبعثيين، وسطوة العائلات والعشائر القوية التي تحصل على الهبات والضرائب الصغيرة، وهذه الاموال تتدفق على المقاومة من دون توقف. وبالطبع فقد سقط الطاغيـة، وأصبح الناس يتساءلون في العراق عن مصير هذه المقاومة بعد اصطيـاده. هل ستضعف أم تفاوض سلطة التحالف، لأنها فرصة أمام العسكريين والمدنيين في النظام السابق مثلاً لأن يتقبلوا العملية السلمية.

الوضع عصيب في العراق من الناحية الأمنية والسياسية، فالقبض على صدام لا يعني نهاية أعمال العنف. وكل من الطائفتين السنية والشيعية تريد لها دوراً أكبر من الأخرى في العملية السياسية في عراق ما بعد صدام. فهل سيجد العراقيون بمختلف طوائفهم الدينية طريقهم نحو مصالحة وطنية شاملة، تنبذ الخلافات وتسدل الستار على صفحة الماضي لتتوحد الجهود من أجل عراق جديد؟

إن ما يبعث على الأمل، هو وجود جدول زمني وضعته سلطة التحالف لتحقيق الوحدة الوطنية، والشعب العراقي يطلب الدعم الدولي لتحقيقه. وهذا البرنامج سيبدأ تنفيذه اعتباراً من 30 يونيو 2004 ، ويتم بمقتضاه إنشاء حكومة عراقية مؤقتة. وبموجبه تنحل سلطة التحالف الامريكي ـ البريطاني، وينتهي الاحتلال الامريكي، ثم يوضع الدستور. وآخر مرحلة في البرنامج هي تكوين حكومة عراقية منتخبة وكاملة السيادة في يناير 2006. أما امريكا فتظل حليفاً رئيسياً للعراق، وإن تكن صورة هذه العلاقة المستقبلية غير واضحة تماماً في الوقت الراهن، الا انها تدعو الى التفاؤل بمستقبل أفضل كما تقول أكثر المصادر الأجنبية إطلاعاً.

*مستشار في وزارة الخارجية ـ الكويت