ليست حربا.. إنها سوق للنفاق..!

TT

من بين القضايا الكثيرة اللافتة للأنظار في هذه السنة الجديدة هناك قضية تتمتع بأهمية فريدة: قرار الرئيس بوش شن الحرب على العراق. وتظهر الحقائق كم كان ذلك القرار منافقا. فقد أكد وزير الخزانة السابق بول أونيل، مؤخرا، أن النقاش حول العمل العسكري بدأ منذ تولي الرئيس بوش السلطة. وكان البعض يعتقد أنه يمكن احتواء صدام حسين من دون حرب. وبعد شهر من تولي الرئيس منصبه قال وزير الخارجية كولن باول «لقد ابقيناه في اطار الاحتواء، داخل صندوقه». وفي اليوم التالي قال على نحو موح بأن صدام «لم يطور أية قدرة كبيرة في ما يتعلق بأسلحة الدمار الشامل».

وقد منحت أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 مؤيدي الحرب الفرصة الملائمة التي يحتاجونها. وسرعان ما حاولوا ربط صدام بالقاعدة والهجمات الارهابية. وأسس وزير الدفاع دونالد رامسفيلد مكتب الخطط الخاصة لتحليل المعلومات لأغراض الحرب وتجاهل السبيل التقليدي في تلك العملية. واعتمد نائب الرئيس ديك تشيني على معلومات من المنفيين العراقيين ومارس ضغطا على وكالات الاستخبارات للتوصل الى النتيجة المنشودة.

وبدأت الحرب في أفغانستان في أكتوبر بدعم كاسح من الكونغرس. ولكن التركيز على العراق استمر خلف الكواليس، ومضى الرئيس بوش في خطته. وفي حديقة الورود قال يوم 26 نوفمبر ان «أفغانستان ليست سوى البداية».

وبعد ثلاثة أيام بدأ تشيني يرسل، علنا، اشارات حول الهجوم على العراق. وفي 29 نوفمبر قال «لا أعتقد أن الأمر يتطلب من المرء عبقرية ليدرك أنه من الواضح أن هذا الشخص (صدام حسين) يعتبر مشكلة محتملة كبيرة للمنطقة وللولايات المتحدة ولكل من لديه مصلحة في المنطقة». وفي 12 ديسمبر صعد النبرة وقال «لو كنت صدام حسين لفكرت بشكل دقيق بالمستقبل، ولنظرت على نحو عميق لرؤية ما حدث لطالبان في أفغانستان».

وفي وقت لاحق جعل كارل روف، في كبوة علنية نادرة، من دوره واضحا عندما أبلغ اللجنة القومية الجمهورية في 19 يناير 2002 بأن الحرب على الارهاب يمكن أن تستخدم سياسيا. ويمكن للجمهوريين «أن يتوجهوا الى البلد على أساس هذه القضية».

وبعد عشرة أيام، وفي خطابه عن حالة الاتحاد، أثار الرئيس بوش «محور الشر» الذي ضم العراق وايران وكوريا الشمالية، وفقدنا تركيزنا الواضح على القاعدة. وتضمن الخطاب 12 فقرة حول أفغانستان و29 فقرة حول الحرب على الارهاب، ولكنه ذكر القاعدة بصورة عابرة مرة واحدة. ولم يقل شيئا حول طالبان أو أسامة بن لادن.

وخلال الأشهر اللاحقة وعلى الرغم من بقاء بن لادن طليقا بدأ قرع الطبول يتصاعد تدريجيا على العراق إلى حد أنه تمكن من جذب أولئك الذين كانوا يشعرون أن صدام حسين لا يشكل خطرا مباشرا. وفي 12 سبتمبر قال الرئيس للأمم المتحدة بأن «العراق يمتلك على الأرجح أكداسا من الـ«في أكس» وغاز الخردل وعوامل كيميائية أخرى وإنه قام بعدة محاولات لشراء أنابيب ألمنيوم عالية الصلابة تستعمل عادة في تخصيب اليورانيوم المستعمل في الأسلحة النووية». وقال إن العراق بإمكانه أن يصنع سلاحا نوويا «خلال عام واحد» إذ حصل صدام حسين على مواد كهذه.

كان من الواضح أن الحرب في العراق قادمة لكن لماذا كان ضروريا تقديم تصريح من هذا النوع في سبتمبر؟ ومثلما قال أندرو كارت رئيس الموظفين في البيت الأبيض إنه من «وجهة نظر التسويق أنت لا تقدم منتجات جديدة في أغسطس». كانت الحملات الانتخابية لعام 2002 في أوجها آنذاك وتحققت هيمنة السياسة الانتخابية على السياسة الخارجية والأمن القومي. وأصرت الإدارة الأميركية على إجراء تصويت في الكونغرس للسماح لها بخوض الحرب قبل فض الكونغرس للتهيؤ للانتخابات. لماذا؟ لأن النقاش سيحرف الاهتمام عن قضية الاقتصاد المضطرب والفشل في القبض على بن لادن. وبدا كأن التحول صوب العراق وجعله مركزا للنقاش سيساعد الجمهوريين على احداث الفرقة بين صفوف الديمقراطيين.

ونجح التكتيك إذ أن كل الجمهوريين تقريبا صوَّتوا لصالح الحرب وأبقوا سيطرتهم على مجلس النواب في الانتخابات، بينما كان الديمقراطيون منقسمين على أنفسهم بشكل عميق وهذا ما سهّل فقدان أغلبيتهم في مجلس الشيوخ. وكان بإمكان البيت الأبيض أن يستخدم سيطرته على الكونغرس لفرض معالجته لبعض القضايا المحلية الأساسية.

وكانت الخطوة الأخيرة في الطريق إلى الحرب عبارة عن عملية خداع للأمم المتحدة. لكن تشيني ورامسفيلد ونائب وزير الدفاع بول وولفويتز قد أقنعوا الرئيس أن الحرب ستكون سهلة جدا مع أو بدون الأمم المتحدة وان قواتنا سيرحَّب بها باعتبارها قوات محررة. ثم بدأت الحرب في مارس.

لم يكن نظام صدام حسين الهمجي تبريرا كافيا للحرب ولم تحاول الإدارة الأميركية بشكل جدي أن تجعل الهدف من وراء الحرب هو طبيعة نظام صدام إلا بعد فترة طويلة من اندلاع الحرب، وبعد سقوط التبريرات الزائفة الأخرى. لم يكن هناك تهديد مباشر. ولم يكن لدى صدام حسين أي أسلحة نووية أو أي ترسانات من الأسلحة الكيماوية أو البيولوجية وليس له علاقة بهجمات 11 سبتمبر ولا علاقة مثبتة مع القاعدة. لم يكن علينا أن نخوض الحرب لأسباب آيديولوجية انطلاقا من سياسات مستندة إلى معلومات استخباراتية متلاعب بها.

وأنفِقت مبالغ هائلة على الحرب كان من الأجدى إنفاقها داخليا. كذلك فإن قواتنا العسكرية استنزفت إلى درجة عالية. وفقدنا الكثير من الحيوات الغالية. وجعلت الحرب أميركا ممقوتة جدا في العالم وجعلت الحرب على الإرهاب أكثر صعوبة للانتصار فيها. ومثلما قال توم ريدج وزير الأمن الداخلي عند الإعلان عن آخر تحذير: «رغبة القاعدة المستمرة في تنفيذ هجمات ضد بلدنا هي أكبر الآن مما كانت عليه منذ 11 سبتمبر».

وكان القرار الأهم الذي اتخذه الرئيس هو خوض الحرب ضد العراق. انتهك الرئيس بوش الثقة التي يجب أن تبقى قائمة بين الحكومة والشعب. وإذا كان الكونغرس والشعب يعرفون الحقيقة فإن الولايات المتحدة لن تخوض أبدا الحرب في العراق. لا يستحق رئيس قام بهذا الشيء لبلدنا أن ينتخّب مرة أخرى.

*خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»