بصراحة يا عرب: هذا هو واقعكم.. فماذا أنتم فاعلون..؟

TT

خلال الأسابيع القليلة الأخيرة حاولت أن أطرح التكتيكات التي يمكننا في الغرب تبنيها لتعزيز المعتدلين في العالم العربي ـ المسلم للقتال في حرب الأفكار ضد قوى عدم التسامح في داخل حضارته، والتي يتحدد من خلالها الانتصار أو الهزيمة في الحرب ضد الإرهاب. لكن إذا كان هناك شيء واحد تعلمته من هذه المسألة فهو أن الأفكار لا تنتشر فقط لوحدها بل ان الأفكار تنتشر أيضا ضمن سياق معين. لذلك فبعد هجمات 11 سبتمبر قال لي البعض: «الإسلام حقا دين غاضب». لكنني لم أوافق على هذا الرأي، بل هناك الكثير من المسلمين الغاضبين لأنهم يعيشون ضمن أكثر المجتمعات قمعا في العالم، مع وجود فرص ضئيلة للنساء والشباب، ومع الدرجة العالية من البطالة. السياق السيئ يخلق مناخا خصبا لانتشار الأفكار السيئة والعنف وهذا نابع عما يسود تلك المجتمعات من مشاعر بالإذلال والغضب، باختصار إنه من المستحيل بالنسبة لنا أن نتحدث عن تحقيق النصر في حرب الأفكار في العالم العربي ـ المسلم بدون التحدث عن الشيء الأكثر أولوية والذي يمنح الناس الكرامة والأمل: إنه العمل.

يحاجج ديفيد روث كوبف مساعد وزير التجارة الأميركية السابق بأنه «لوقت طويل حتى الآن شعرت بأن ما نواجهه حقا هو ليس صراع حضارات بل صراع أجيال... أنت لديك عالم متطور عجوز خصوصا أوروبا التي تحاول أن تحمي سوق العمل فيها وأنت لديك عالم شاب باحث عن العمل خصوصا في العالم المسلم، وهؤلاء الناس على استعداد للذهاب إلى أي مكان ولاستغلال أي فرص عمل تتوفر لهم وإلا فإنهم يعبّرون عن مشاعرهم بالإحباط نتيجة غياب الفرص بالنسبة لهم».

يكفي أن تقرأوا الأرقام حتى تمضوا في البكاء: من بين 90 مليون شاب عربي اليوم (تتراوح أعمارهم بين 15 و24سنة) هناك 14 مليوناً منهم بدون عمل، ومن بين الـ15 إلى 20 مليون مسلم يعيشون حاليا في أوروبا «ليس هناك أشغال كافية وليس هناك قدر كاف من الأمل» حسبما جاء على لسان ملك الأردن في ندوة دافوس الاقتصادية. فحسب تقرير «التطور الانساني العربي لعام 2003 » جرى بين عامي 1980 و1999 سجلت أكبر تسعة بلدان عربية من الناحية الاقتصادية براءات اختراع بلغت 370 براءة في الولايات المتحدة. وتعد براءات الاختراع مقياسا جيدا لنوعية التعليم في المجتمع إضافة إلى مدى انتشار روح بناء المشاريع الخاصة وسيادة القانون والابتكار. خلال نفس تلك الفترة التي تمتد إلى عشرين عاما سجلت كوريا الجنوبية لوحدها 16328 براءة اختراع.أنت لا تجد الكثير من الكوريين الجنوبيين الراغبين في أن يفجروا أنفسهم.

كنت قبل أيام قليلة في مقر «غوغول» العام في منطقة «وادي السليكون» بكاليفورنيا وكان لديهم تلك الخارطة الالكترونية العجيبة للعالم وفيها تبدو من خلال الأضواء فوقها كم هو عدد الناس الذين يستخدمون غوغول في البحث عن المعرفة في المنطقة التي تمتد من المغرب إلى الهند ليس هناك تقريبا أي ضوء. وفي دافوس حضرت لقاء على وجبة إفطار لمناقشة إرسال أعمال من الولايات المتحدة وأوروبا لإنجازها في العالم النامي، كان هناك رجال أعمال هنود ومكسيكيون والكثير من الحديث عن الصين لكن لم يتكلم أحد عن إرسال أعمال كي تنجز في العالم العربي. وهذا يعود إلى غياب البنية التحتية والإنتاجية والتعليم الضرورية هناك حتى الآن.

إذن ما العمل؟ الكثير من المساعدة يمكن ويجب أن تأتي من أوروبا. فعلى الرغم من أن الولايات المتحدة هي الهدف غالبا فإن أوروبا ظلت هي المصنع الحقيقي للاستياء العربي المسلم. فأوروبا قامت بعمل ضئيل جدا من أجل ضم وتشغيل أقلياتها المسلمة المتنامية والكثير من أفرادها يشعرون بغربة عميقة هناك. كذلك فإن أوروبا قامت بالقليل في مجال الاستثمار بشمال أفريقيا والشرق الأوسط التي تعدان حديقتها الخلفية.

هذا لا يعني أن الولايات المتحدة في وضع أفضل في هذا الميدان لكن عن طريق توقيعها لاتفاقية التجارة الحرة مع المكسيك ساعدت الولايات المتحدة على خلق سياق اقتصادي وسياسي هناك لا ينتج فقط أشغالا وتحديثا في المكسيك بل يخلق مناخا لتعميق الديمقراطية فيها. وأشار الرئيس المكسيكي السابق أرنستو زديللو: «أنا لا أظن أنني سأكون ناجحا في تحقيق الإصلاح السياسي بدون توفر نمو اقتصاد معتبر (وهذا تحقق بفضل اتفاقية نافت) بين عامي 1996 و2000، فخلال تلك السنوات الخمس كان معدل النمو الاقتصادي 5 % سنويا». إنه ضمن المناخ المتفائل في المكسيك تحقق التحول الديمقراطي من الحزب الحاكم إلى المعارضة.

لذلك فإنكم إذا أردتم أن تستنتجوا أي شيء من كل ذلك فأنا آمل أن يكون هذا الشيء حرب الأفكار ضمن العالمين العربي والمسلم التي يمكن خوضها والفوز بها من قبل القوى المعتدلة الموجودة في داخلهما وهذه القوى يمكنها أن تبرز للسطح من بين الطبقة المتوسطة المتنامية داخل المجتمعات العربية والمسلمة مع مشاعر بالكرامة والأمل. فالشباب الذين نموا ضمن سياق فرص اقتصادية حقيقية، وسيادة القانون وحق التكلم والكتابة في أي شيء يرغبونه لن يكونوا بالتأكيد راغبين في تدمير العالم بل انهم يريدون أن يكونوا جزءا منه.

* خدمة «نيويورك تايمز»