سباق المريخ

TT

لم يكن العالم في تاريخ التطور الانساني كله مليئا بالتناقضات كما هي اليوم، كما لم تكن الفجوة بين التقدم والتخلف بين امم الارض بمثل الاتساع الذي نراه حاليا والذي يبدو انه يزداد اتساعا.

فعندما نطالع الصحف ونرى في نشرات الاخبار تغطيات السباق الحالي الدائر بين الولايات المتحدة واوروبا على الوصول الى المريخ الذي استقبل خلال شهر واحد 3 مركبات فضائية نجحت اثنتان منها في ارسال صور واضحة تماما من على بعد 160 مليون ميل وكأنها ملتقطة من شارع مجاور، سنجد بجانبها اخباراً اخرى عن مجاعات وحروب اهلية وخناقات لاسباب تافهة، وصور بشر يصارعون من اجل البقاء والحصول على اقل الاساسيات.

سباق المريخ هو حلقة جديدة تتحقق من حلم الانسان الذي بدأ في الستينات باقتحام الفضاء لاكتشاف اسراره وبدأ بالقمر، وذلك بعد ان فك الكثير من الغاز الارض وطلاسمها واكتشفها تقريبا كلها ارضا وبحرا وجوا، وهو سباق مكلف ترصد له ميزانيات بمئات المليارات من الدولارات ولذلك فانه مقصور على ناد محدود من الدول التي تملك التقدم العلمي والموارد المالية الكافية للانفاق عليه.

وعادة ما تحدث مقارنات او مفاضلات بين الحالة على الارض حيث ما زال ملايين البشر يعيشون تحت خط الفقر ويعانون من المجاعات وشحة المياه النظيفة والاوبئة والجهل والاموال الضخمة التي تنفق على سباقات الفضاء التي تبدو حتى الان مسألة ترف واعطاء هيبة اكبر لبعض الدول بدون مردود حقيقي متوقع في المدى المنظور، وفي رأي كثيرين فان سباق الفضاء سباق وهمي تبدد فيه الاموال والموارد في طريق لن يصل الى شيء.

لكن .. ورغم الاقرار بان هناك الكثير الذي يجب ان يعطى اولوية على الارض فان الاحلام والرغبة في كشف اسرار المجهول واقتحامه كانت المحرك الاساسي الذي قاد البشرية الى تبديد جهل القرون الوسطى بان الارض مسطحة وليست كروية واكتشاف العالم الجديد في اميركا واختراع المحركات والسفر بالطائرات... الى آخر الاشياء التي نتعامل بها يوميا الان ونعتبرها من المسلمات في حياتنا اليومية، ومن يدري فقد يكون قضاء العطلات السنوية على احد الكواكب في المستقبل من الامور العادية في حياة الناس.

وبالتأكيد فان الاهداف البعيدة لسباق الفضاء اكثر جدية من مجرد اكتشاف اماكن جديدة للعطلات السنوية، فهذا السباق سمح بالاقمار الصناعية التي نشاهد بها القنوات الفضائية التلفزيونية حاليا ونجري الاتصالات الهاتفية، وتتجسس القوى الكبرى بها على العالم، واستخدمت خلائط جديدة في المركبات الفضائة وتكنولوجيا اتصالات جديدة، كما جرى اكتشاف المعادن الموجودة على الكواكب الاخرى. وهو سباق اشبه بالسباق الذي حدث نحو العالم الجديد عندما اكتشفت قارة اميركا وبدأ نقل السلع والمواد الخام من هناك. ولا يبدو انه يوجد حل في الوقت الحاضر بين الانقسام الموجود في العالم اليوم بين متسابقين في الفضاء واخرين يتعاركون على بئر ماء الا بالتعليم، فالعلماء وقوة العمل المدربة على التكنولوجيا والتقنيات

هي القوة التي تحرك المجتمعات الان الى الامام.