كيف نعيد الثقة بهذا الجبروت الأعمى..!

TT

تعود مسألة ما اذا كان على زعامتنا القومية أن تتحمل المسؤولية عن تأكيدها غير الدقيق، في بداية الحرب، على أن العراق كان يمتلك اسلحة الدمار الشامل، تعود في نهاية المطاف الى السياسيين ليتجادلوا فيها والناخبين ليحلوها. غير أن هناك نتيجتين تعكسان دلالات مشؤومة بالنسبة لأمننا القومي، تدعوان الى استجابة عاجلة: فقد لحق ضرر بالغ بمصداقية الولايات المتحدة على النطاق العالمي بسبب قضية اسلحة الدمار الشامل، وكشفت القدرات الاستخباراتية الأميركية عن عدم كفاءتها على نحو فاجع.

ان أميركا متفوقة في العالم اليوم، ولكنها ليست كلية القدرة. وهكذا فان على أميركا ان تمتلك القدرة، عند الضرورة، لتعبئة الدعم الأصيل والحقيقي للدول الأخرى، وخصوصا الدعم من جانب اقرب حلفائها، ولا تستطيع تحقيق ذلك الا اذا كانت موضع ثقة.

اما ان مصداقية الولايات المتحدة قد اصيبت بضرر بالغ فأمر لا جدال فيه، انه لأمر في غاية الخطورة عندما تشن القوة العظمى الأولى في العالم حربا زاعمة وجود مبرر لذلك ينتهي الى أن يكون كاذبا. وتظهر استطلاعات الرأي العام الكثيرة أن هناك هبوطا على نطاق عالمي في دعم السياسة الخارجية للولايات المتحدة، وهناك استياء جلي من التصرف الأميركي الأخير، وارتياب شامل بزعماء أميركا حتى في دول تشارك في التحالف في العراق. ان الثقة عامل أساسي من عوامل السلطة، ويؤثر فقدانها بصورة مباشرة على أمننا القومي على المدى البعيد. ان أميركا متفوقة لكنها ليست موضع ثقة، فهي أميركا ضعيفة دوليا.

ان النقطة الأولى للدفاع القومي والأخيرة لسياسة أمنية فعالة على المستوى العالمي تتمثل في استخبارات أميركية موثوق فيها وصادقة دوليا. والحقيقة المحزنة في الأزمة العراقية هي أن الاستخبارات الاميركية لم تتمتع بهاتين الصفتين. وهناك أسباب كثيرة لهذا الفشل لكن السبب الأكثر وضوحا هو غياب عمل استخبارات بشري سري وفعال مترافق مع الاعتماد المفرط على خدمات استخباراتية أجنبية (مثال على ذلك قضية اليورانيوم النيجري).

وخلال سنوات كثيرة كانت الولايات المتحدة مبدعة في مجال تطوير الاستخبارات المعتمدة على التكنولوجيا العلمية والتي كانت موجهة ضد الاتحاد السوفياتي الذي تعتمد ترسانة أسلحته على العلم والتكنولوجيا، ونتيجة لذلك كانت الولايات المتحدة لها معرفة جيدة حول درجة الانتشار بل وحتى الخطط الحربية لخصم يشابهها من الناحية الاستراتيجية.

وفي ما يخص العراق فإن العكس هو الصحيح. فالولايات المتحدة لم يكن لديها أي علم ليس في ما يخص مستوى القدرات العسكرية العراقية بل حول التخطيط السياسي. وهذا يشير الى أن الوسائل التي استخدمناها لتحديد دقة معقولة وطبيعية ودرجة التسليح السوفياتي لم تكن مساعدة لمعرفة قدرات صدام حسين التي هي متخلفة نسبيا، أو التمكن من اختراق نظامه البدائي حتى على الرغم من أنه كان ممقوتا من جزء مهم من الشعب العراقي، وهو أكثر عرضة لاختراقه من النظام التوتاليتاري السوفياتي.

بالتأكيد كان نظام صدام حسين أكثر نفاذا من نظام كوريا الشمالية الحالي. لكن سوء التقدير كان ناجما عن المعلومات التي قدمت لنا وهي تعتمد أغلبها على استنتاجات افتراضية وهي لذلك غير مقبولة. ويمكن القول إن النقص الكبير في المعلومات الاستخباراتية للولايات المتحدة إذا سُمح له بالاستمرار فإنه يشكل مخاطر كثيرة لنا مستقبلا.

وعلى الإدارة أن تعترف بصراحة أن الولايات المتحدة كانت لديها معلومات خاطئة ومغلوطة حول مستوى الأسلحة العراقية وأوضاعها، وهي حقيقة أصبحت واضحة حاليا للغالبية العظمى من العالم، وتجاهل هذه الحقيقة سيلحق الأذى بمصالح أميركا. كما أن تغييرات جذرية في قيادة الأجهزة الأمنية أصبحت ضرورية ومن المهم اتخاذ الإجراءات الملائمة لتحقيق هذا الغرض. فالمصداقية لا تسترد إلا عن طريق تحمل المسؤولية.

ومن المهم في هذا السياق تكوين لجنة صغيرة من اشخاص ذوي خبرات واسعة، يتمتعون بثقة الإدارة (أي ليس بينهم معارضون للحكومة من أمثالي) لتقديم تصور للرئيس، في أسرع فرصة ممكنة، حول تغيير أولويات الأجهزة الأمنية ومناهج عملها، مركزين بصورة خاصة على تطوير الأجهزة السرية.

إن أمننا القومي يتعرض لمخاطر جدية لا تجدي معها المعالجات التقليدية، ولن يكون مجديا أو ملائما إجراء مراجعة شاملة من قبل لجنة موسعة، رفيعة المستوى، ولكنها ليست في عجلة من أمرها. كما أن تجاهل المسألة كليا وإخفاءها تحت البساط سيكونان أسوأ من ذلك بكثير. إن قوة عالمية عمياء، حتى إذا كانت كلية الجبروت، لن تسدد ضرباتها إلا إذا أحست بالخطر، ولكن الموقع القيادي لأميركا في العالم يقتضي استجابات أفضل من ذلك، وبالنسبة إلى العالم ككل، فإن تعهد أميركا يجب أن يكون مسؤولا.