الصحافة تحتضر!

TT

حينما أقدمت مؤسسة اليمامة الصحافية على إغلاق صحيفتها الصادرة باللغة الانجليزية، «الرياض ديلي»، أرسل الاعلام السعودي رسالة واضحة مفادها أن زمن دعم المطبوعات في طريقه للزوال ان لم يكن قد زال فعلا. وقد سبق قرار اغلاق «الرياض ديلي» قرار من قبل مؤسسة الجزيرة، التي كانت تصدر صحيفة «المسائية» واختارت اغلاقها لأسباب اقتصادية بحتة، واليوم هناك صحيفتان عريقتان هما «البلاد» و«الندوة» تحتضران، ويبدو ان كافة محاولات الانقاذ غير مجدية.

يعود السبب الرئيسي في وضع الصحافة السعودية المتردي الى عدم ملاءمة نظام المطبوعات والصحف لظروف العصر الاقتصادية والثقافية. فمع الاعتراف الصريح والعلني بوجود آراء وأفكار وأطياف في المجتمع السعودي، ألا يجب ان ينعكس ذلك عبر تعددية صحافية منفتحة؟ من غير المقبول ،ولا المعقول، ان تنحصر الاصدارات الصحافية الجديدة المسموح بها في مجالي الشعر الشعبي والنبطي من جهة، والرياضة من جهة أخرى. الدليل الواضح والصريح على عدم واقعية نظام المطبوعات هو عدم اصدار ترخيص واحد للآن لصحيفة جديدة، ناهيك من ان امتياز الصحف التي أغلقت، أو التي تمر بظروف مالية حرجة، لا يمكن ان يباع للغير كما يحدث في كل دول العالم، فامتياز الصحيفة بالمفهوم الاقتصادي هو «أصل» من «الأصول» التي من الممكن ان تقيم بثمن نقدي ما ويتم بيعها للغير. نظام المطبوعات الجديد حاول ادخال «الشكل» الاقتصادي المفتوح والحر على الصحف السعودية ليزيل شبهة «التأميم» الذي حدث للعديد من الصحف السعودية حين نزعت الملكية الفردية ووزعت لتصبح مؤسسات صحافية شكلية توزع الأرباح ولكن لا علاقة لها بتعيين أهم منصبين وهما المدير العام ورئيس التحرير. وعليه فان ملاك الأسهم في تلك المؤسسات الصحافية لا يستطيعون تغيير أي شيء في هذين المنصبين بالرغم من الاضرار الهائلة التي قد يتسبب فيها مدير عام بقراراته المالية الخاطئة أو اضرار أخرى كانخفاض في ايرادات الاعلان وانخفاض التوزيع بسبب سياسة تحريرية خاطئة من قبل رئيس التحرير. الصحافة هي جزء اساسي من أي مجتمع سوي وهي ضمير له ومراقب على تصرفاته. الابقاء على رتابة الوضع الصحافي وعدم التعامل معه بشكل «طبيعي» يفتح الكثير من الاقاويل والمجالات للتشكيك في الحرية الاعلامية ومدى جدية الاصلاح العام، والوضع الصحافي الحالي يميل لتأكيد ذلك. هناك العديد من الفرص الموجودة لفتح المجال أمام صحف يومية واسبوعية في شتى المجالات معبرة عن وجهات نظر مختلفة موجودة، والمطلوب ان يكتب لتلك التجارب ان تولد في وسط عقلاني وعادل وسوي، وبغير ذلك لن تكون الصحف الموجودة اليوم سوى سجال من ارشيف قديم يجدد تلقائيا.. وهذا غير مقبول.