الثقة بالعراقيين بدلا من فرض السيطرة عليهم

TT

عادت الأمم المتحدة إلى العراق مشيا على رؤوس أصابعها بمباركة من إدارة بوش. هذه التطورات المفاجئة تستحق ترحيبا كبيرا ورسم علامة استفهام واحدة أمامها.

يمكن القول إن المهارة والجرأة التي كانت وراء تنظيم المهمة السرية التي قام بها الدبلوماسي الجزائري المخضرم الأخضر الإبراهيمي إلى العراق، والتي استغرقت ستة أيام، مثيرة للإعجاب الشديد. إذ لم يكن سهلا إقناعه بالسفر إلى العراق المحتل وهو القومي العربي، وتطلب ذلك إجراء بوش لقاءين معه لإقناعه بأداء المهمة التي ظل مترددا في القيام بها.

دافع بوش كان ظهور عائق طارئ يتطلب التدخل السريع أكثر مما هو سعي منه لإصلاح العلاقات بين واشنطن والأمم المتحدة، آملا ان يتمكن الابراهيمي نظرا للمكانة والمصداقية التي يتمتع بها من إقناع آية الله العظمى علي السيستاني بالتراجع عن مطلبه القاضي بإجراء انتخابات عامة قبل 30 يونيو (حزيران) المقبل، وهذا ما دفع الإدارة الأميركية إلى إعادة الأواصر مع الأمم المتحدة في يناير الماضي.

فهم الإبراهيمي بسرعة أن المهمة التي أنيط به تنفيذها اهم بكثير من قيادة فريق دولي يتقصى إمكانية إجراء الانتخابات في العراق، خصوصا مع إصرار بوش على إبقاء تاريخ تسليم السلطة للعراقيين كما هو، أي قبل انتهاء يوم 30 يونيو. وقال مسؤول رفيع المستوى في إدارة بوش، إن الإبراهيمي كان مفيدا جدا في أفغانستان وفي أزمات أخرى. وأضاف مسؤول أميركي آخر: «إنه لا يتفق دائما معنا لكنه لم يعارضنا حبا بالمعارضة فقط».

من المتوقع أن يقدم الإبراهيمي تقريره لكوفي عنان الأمين العام للأمم المتحدة، وسيقوم الاخير بتقديم توصيات المنظمة الدولية حول الانتخابات. لكن واحدة من نتائج رحلة الإبراهيمي وفريقه إلى العراق، باتت واضحة، إذ اعترف مسؤولون أميركيون وعراقيون أن الخطة المعقدة لاستخدام المؤتمرات الانتخابية المحلية لاختيار مجلس تشريعي انتقالي قبل الأول من يوليو المقبل، صارت في عداد الموتى. وحسبما تردد فإن الإبراهيمي وافق على ذلك أثناء لقائه بالسيستاني. بالمقابل، كان بإمكانه أن يحاجج لصالح إجراء إحصاء سكاني جديد قبل القيام بانتخابات عادلة وحرة في العراق تجري في نهاية هذا العام على أقل تقدير.

وبدلا من فكرة المؤتمرات الانتخابية، تدور النقاشات الآن حول فكرة توسيع مجلس الحكم المؤقت إلى حد مضاعفة عدد أعضائه من 25 إلى 50 عضوا أو أكثر. وهذا التوسيع سيساعد الإبراهيمي وموظفي الأمم المتحدة المعنيين لاحقا على تنظيم انتخابات على مستوى البلاد لانتخاب مجلس تشريعي وحكومة دستوريين.

كانت مهمة الإبراهيمي مفاجأة دبلوماسية كبيرة، فقد كان كوفي أنان واقعا تحت ضغط كبير من موظفيه لتجب أي تورط جديد للأمم المتحدة في شؤون العراق طالما ظل تحت الاحتلال الأجنبي. لكن رغبته في تحمل المخاطر من خلال قراره بإرسال الإبراهيمي إلى بغداد، تكشف عن قلق الأمين العام للأمم المتحدة بشأن العراق وبشأن علاقة المنظمة الدولية بواشنطن.

مع ذلك، على أنان وبوش أن يكونا حذرين ويتجنبا ترك انطباع يشير الى انهما يقومان بمناورة لتحديد مصير العراق بدلا من شعبه. وتبقى علامة استفهام كبرى معلقة أمام العملية التي تعتمد بشكل كبير على الدبلوماسية، وبشكل قليل على الجهود الشاقة الهادفة إلى تشجيع السياسة المحلية لكي تزدهر وتشجيع العراقيين على مشاركة واسعة في اختيار المرشحين المفضلين لديهم.

وهكذا أخذت العملية التي بدأت بإسقاط صدام حسين، في التحرك الآن بسرعة وقوة كبيرتين، بحيث أن أي دبلوماسية لن تكون قادرة على احتوائها.

لقد حان الوقت للثقة بالعراقيين بدلا من فرض السيطرة عليهم.

* خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»