ساحة فلسطينية تعمها الفوضى.. ولا سلطة ولا قرار

TT

يبدو ان القرار السياسي الفلسطيني الوحيد الموجود حاليا هو عدم اتخاذ اي قرار.

فمنذ قرار استمرار المواجهة العسكرية الذي اتخذ بعد اندلاع المواجهات في 2000/9/29، لم يتم اتخاذ اي قرار.

هكذا، وبعد مواجهات دامية وخسائر فلسطينية هائلة، انحدر الوضع الى حالة من اللاأدرية العدمية التي تركت الفلسطينيين بدون اية مكاسب ملموسة، او اية آفاق واعدة، وفي حالة جهل لحقيقة ما يجري: هل هناك انتفاضة? هل انتهت الانتفاضة? هل هي بين بين? الى اين نحن ذاهبون? هل هناك سلطة? اين هي السلطة? ام هناك عدة سلطات?

ويبدو واضحا ان الساحة الفلسطينية قد دخلت في مأزق عدم القدرة على اتخاذ اي قرار، وذلك بفعل تعدد مراكز صنع القرار التي تلغي بعضها البعض، وتتلاشى امام الديناميكية التي تتمتع بها عملية صنع القرارات الاسرائيلية، حيث تنهال القرارات الاسرائيلية واحدا تلو الآخر دون منح الفلسطينيين اية فرصة لالتقاط الانفاس. فها هو اليمين الاسرائيلي، وامام ضغط الوقائع المستجدة لا يجد غضاضة في قطف ما يفيد الساحة الاسرائيلية من طروحات غريمه حزب العمل الاسرائيلي، فيقرر اجراء انفصال، ويقرر تنفيذ اعادة انتشار. ويقرر اقامة جداره بحيث ينتهي الامر الى تنفيذ معظم طروحات برنامج اليمين القديم، بأقل قدر من الخسائر واكبر قدر من الارباح، وها هو على وشك تنفيذ خطته الاحادية الخاصة بقطاع غزة، دون تأجيل او تردد او انتظار.

فالبرامج الاسرائيلية بشكل عام، غير معنية بقطاع غزة إلا بالقدر المتعلق بالامن، ولطالما تمنى اليمين واليسار لهذا القطاع ان يغرق في البحر، وها هو الآن يوشك ان يغرق في البحر. فخطة تفكيك المستوطنات واعادة الانتشار الاخيرة، الخاصة بقطاع غزة، لا تعني احتمال قيام دويلة فلسطينية فيه على المدى القريب او البعيد، طالما ان ما سيتم إنما يتم بشكل احادي، بل إنه سيتحول الى كانتون جهنمي تتحكم اسرائيل في حدوده ومعابره واجوائه ومياهه واقتصاده وحياته الاجتماعية والسياسية على النحو الذي هو الآن، باستثناء، تخليص اسرائيل من الخسائر والاعباء.

وقد لا تكون اسرائيل معنية حقا بسيطرة «حماس» او غيرها على القطاع، بل قد تتمنى ان تسيطر حماس او غيرها من منظمات مقاتلة عليه، او عدة اطراف في آن واحد، طالما ان ذلك سيتيح لها مواصلة عملياتها القمعية، ويوفر لها ذريعة رفض التفاوض مع اي طرف فلسطيني قد يرغب في ذلك. وسوف يكون الحديث عن ممر آمن يربط الضفة الغربية بالقطاع في خبر كان، وسيؤدي الضغط الاقتصادي والتكاثر السكاني الطبيعي الى هجرة غير محدودة بحثا عن لقمة عيش ونسمة هواء، وذلك على النحو الذي حدث بعد عام 1948وعام 1967 حين ابتلعت الهجرة كل الزيادة الطبيعية للسكان.

الوقت يقترب، واعادة الانتشار الاسرائيلية على قاب قوسين او ادنى، وليس هناك في الافق ما يدل على ان جهة ما ستتسلم القطاع، وكل الاطراف الفلسطينية بانتظار الانقضاض على الغنيمة، والبحر على شاطئ غزة ينتظر الوليمة!

*كاتبة فلسطينية مقيمة في غزة