الهند.. صحوة العولمة.. بعد نومة عميقة

TT

جيري راو يريد ان يحسب ضرائبكم..

آه، انك تقول انك لم تسمع أبدا بجيري راو، ولكن الاسم يبدو، على نحو غائم، اسما هنديا. وعلى أية حال فان لديك، الآن، محاسبا. حسنا، جيري هندي. وهو يعيش في بنغالور. وقد لا تعرف انه قد يكون محاسبك.

وقال السيد راو، الذي تمتلك شركته التي تحمل اسم «مفاسيز»، فريقا من المحاسبين الهنود القادرين على عمل المحاسبة الخاص بنقل العمل من جميع انحاء الولايات المتحدة، «لقد ارتبطنا بعدد من المحاسبين المهتمين في أميركا». ويجري تصوير كل المعطيات الضريبية الضرورية من جانب الشركات الأميركية وتحويلها الى برامج كومبيوترية يمكن ان تصور من الهند. ثم يقوم محاسب هندي، يتمتع بخبرة في الممارسات الضريبية في الولايات المتحدة، بملء كل المعلومات الأساسية.

وقال راو ان «هذا يحدث ونحن نتحدث، فنحن نقوم بمعالجة حسابات الآلاف من العوائد». ولا يحتاج المحاسبون الأميركيون المعتمدون الى ان يكونوا في مكاتبهم، بل يمكنهم، كما قال راو ان يكونوا على الساحل ويقولوا «جيري انك بارع، خصوصا في انجاز عملية تحديد الضرائب على عائدات نيويورك، ولهذا فانك ستقوم بحساب ضرائب توم». وأضاف «لقد أخذنا العمل الروتيني»، ولهذا فان المحاسبين الأميركيين يمكن ان يركزوا على خدمات المستهلكين، ويفكروا، على نحو ابداعي، في حاجات الزبائن.

ان قدرة راو على خدمة الحسابات الأميركية بهذه الطريقة هي في صلب ثورة في البزنس حدثت خلال السنوات القليلة الماضية. واعترف: انني قصرت في ادراك هذه الثورة. فقد كنت أركز، بالكامل، على أحداث الحادي عشر من سبتمبر والعراق. ولكن بعد قضائي عشرة أيام في بنغالور، وادي الحرير في الهند، أدركت انه بينما كنت نائما كان العالم يدخل العصر الثالث العظيم للعولمة.

الحقبة الاولى التي امتدت بين القرن التاسع عشر والحرب العالمية الاولى طغى عليها تراجع كلفة وسائل المواصلات بفضل اكتشاف البخار والسكك الحديدية. ما حدث كان العولمة الاولى التي اسفرت عن تقليص العالم من الحجم الكبير الى الحجم المتوسط. اما العولمة الثانية، فقد استمرت من عقد الثمانينات حتى عام 2000، وتميزت بتراجع اسعار الاتصالات والكومبيوتر، اذ اسفرت هذه المرحلة الثانية من العولمة عن تقليص العالم من الحجم المتوسط الى الحجم الصغير. دخلنا الآن المرحلة الثالثة من العولمة، وهي مرحلة تتسم بتقليص العالم من الحجم الصغير الى حجم «صغير جدا». هذا ما يمكن ان نلاحظه من انتقال وظائف ذوي الياقات البيضاء الى الخارج في مواقع العمالة الأقل كلفة. إلا ان هذه الظاهرة تتطلب إجراء تعديلات في الجوانب المتعلقة بالعمال والنظم السياسية ايضا.

ساهمت في ظهور المرحلة الثالثة من العولمة ثلاث قوى; اولها تركيب كيبل الألياف البصرية البحري ومدى الترددات والسرعة في نقل كم هائل من البيانات والمعلومات عبر العالم في ثوان فقط. العامل الثاني الذي ساهم في مرحلة العولمة الثالثة هو الكومبيوتر في مختلف انحاء العالم. وثالثا واخيرا، عملية التقارب بين مختلف برامج الكومبيوتر ابتداء من البريد الالكتروني الى مايكروسوفت اوفيس الى غوغل الى برامج الكومبيوتر التي صممت لتستفيد منها الوظائف المنقولة الى الخارج. أي ان الربط بين كل هذه التطورات التكنولوجية جعل من الممكن تأسيس مواقع عالمية تسهل عملية انسياب وتقدم العمل.

هذه المواقع ساعدت على الاستفادة من أي وظيفة خدمة في اعمال اخرى مختلفة، وبفضل التقدم العلمي والتكنولوجي في مجالي التصوير والمسح الالكتروني امكن إرسال أي عمل مطلوب الى أي جزء من العالم الى فرق عاملين ذوي تدريب عال على اساس إرسال مواصفات العمل المطلوب انجازه الى الجهة التي يمكن ان تنفذه بكفاءة عالية وبأقل تكلفة وترسله مرة اخرى الى المنشأ.

وبسبب شبكة تدفق الاعمال الجديدة، فإن العاملين في قطاع المعلومات، في أي مكان من العالم، يمكنهم دعم مواهبهم اكثر من أي وقت مضى، والحث على الاختراعات والانتاجية. الا ان نفس هؤلاء الاشخاص سيتعرضون لمزيد من الضغوط اكثر من أي وقت لتطوير مواهبهم في هذه البيئة الدورانية.

وقال نادان نيلكاني رئيس شركة «انفوسيس» الهندية لبرامج الكومبيوتر «لقد خلقنا شبكة عالمية تربط جميع الموارد في العالم، وفجأة غيرنا قواعد اللعبة». وكانت الشركة قد تلقت في العام الماضي اكثر من مليون طلب للعمل في الهند لحوالي 9 آلاف وظيفة في مجال إعداد البرامج. واضاف «لا يمكنك تمني اختفاء هذا العصر الجديد من العولمة. فلن يختفي».

ولذا اتساءل: عندما يكتبون تاريخ العالم بعد عشرين سنة من الآن ويصلون الى الفصل الذي يغطي الفترة من 11 سبتمبر 2001 الى مارس (آذار) 2004 ـ ما الذي سيعتبرونه اكثر اهمية: الهجوم على مركز التجارة العالمي وحرب العراق؟ او كما يشير راو تجمع اجهزة الكومبيوتر وشبكات الاتصال وبرامج تدفق العمل الالكترونية في نقطة واحدة تسمح للهند بان تصبح جزءا من شبكة الامدادات الكونية للخدمات مثلما اصبحت الصين في مجال الصناعة ـ وبالتالي خلق انفجار في مجال الثروة بين الطبقات المتوسطة في اكبر دولتين في العالم الهند والصين، وحصول الدولتين على نصيب كبير جديد في مجال نجاح العولمة.

* خدمة «نيويورك تايمز»