إصلاح المنطقة ومشكلة فصيلة الدم

TT

منطقتنا صارت كشارع مكتظ بيافطات الاصلاح بدرجة عرقلت السير فيه وشوهته واصابت الناس باليأس. فنداءات الاصلاح كثيرة الى درجة بتنا معها مشوشين، طروحات لاصلاح الجامعة العربية كمؤسسة، ومبادرات لاصلاح دول المنطقة جماعيا، واصلاحات داخلية لكل دولة، واصلاحات مقترحة من الخارج.

رأيي ان جميعها مثالية جدا ولهذا لن تحقق شيئا، فلن تفلح محكمة الجامعة العربية ولن يعمل جهاز الامن العربي او الجيش العربي ولا حتى السوق العربية، ولا غيرها من الافكار الرائعة التي يضيع الدبلوماسيون العرب اموال حكوماتهم في انتدابات للقاهرة بلا نتيجة فعلية. كما لن يرى النور مشروع الفيل الابيض الاميركي المسمى بالشرق الاوسط الكبير. ولا أدري لماذا يثير الذعر وهو لن يجد، حتى عند الحكومة الاميركية نفسها، الحماس وقوة الدفع لتحقيقه، وعلينا ان نتذكر انها هي التي عجزت عن فرض مشاريع صغيرة في المنطقة فما بالنا بفرض أمر على كل الدول العربية يضاف اليها ايران وباكستان وتركيا! وعلينا ان نقول للاصدقاء الاميركيين انها ستنفذ في اليوم الذي تطير فيه الخنازير، وفق مثلهم.

وحتى اطمئن القلقين، او اخفف من غلواء المتحمسين، اسرد لهم افضل قصة واقعية مرت علي حديثا. فقد اعلنت الداخلية المصرية انها تخلت عن مطلبها بتسجيل فصيلة الدم في البطاقة الشخصية بعد ان كانت موجودة من قبل. وهنا نسأل كيف تقرر مؤسسة معنية بسلامة الناس استبعاد معلومة قد تنقذ حياة انسان يحتاجها في لحظة اسعاف عاجلة؟ كيف يصبح لون السيارة اهم من فصيلة الدم؟ الوزارة قالت انها اكتشفت ان المعلومة المهمة صارت سببا في قتل الناس لا انقاذهم. فعلى مدى السنوات الماضية انتبهت المستشفيات الى ان عددا ممن قامت بعلاجهم، وفق بيانات فصيلة الدم، كادت تقتلهم لان المعلومات مغلوطة. فاصحاب البطاقات سجلوا في خانة فصيلة دمهم «أ» أو «ب» كما يعجبهم تخلصا من المراجعة وزحام الطوابير. ورغم محاولة اقناع الناس والعاملين في الخدمة بأهمية المعلومة الا ان عملية «التطوير» هذه فشلت. فاصلاح حال الناس بتوفير معلومة في غاية الاهمية كانت فكرة عظيمة، لكن كان لا بد من التخلي عنها لانها سببت من الاضرار اكبر مما اصلحت.

اصلاحنا وفق المشاريع العديدة قد ينقلب علينا لأن الحكومات او المواطنين قد يفضلون تصنيف فصيلة الدم الخاطئة توفيرا لوقتهم وارضاء للقوانين المقترحة. لن تنجح عملية اصلاح مهما كانت جيدة ومفيدة وضرورية الا بشرط واحد هو ان يقتنع صاحبها باهميتها اولا ويكون مستعدا لتنفيذها. واتصور ان هناك الكثير مما يمكن اصلاحه جزئيا وتدريجيا دون خلق حالة ذعر جماعية، كما فعل المشروع الاميركي الكبير، وهذا الاصلاح الصغير في نتائجه، مهما كانت متواضعة، أفضل من الطموحات الكبيرة.