المرأة التونسية.. الحفاظ على المكاسب جهد يومي..

TT

إن ما توفر للمرأة التونسية منذ الاستقلال لا يتحدد بمجال من مجالات الحياة العامة وانما يطالها كلها في تناغم لافت للنظر مع ارادة سياسية متجذرة في الفكر الاصلاحي التونسي والمرجعية المدنية للقرن التاسع عشر.

لقد سعت الحركة الوطنية وروافدها الفكرية الى تهيئة المجتمع المدني للاضطلاع بما اطلق عليه الزعيم الحبيب بورقيبة في فجر الاستقلال «الجهاد الاكبر»، اعتبارا بأن الكفاح الوطني ضد المستعمر هو الجهاد الاصغر.

هذه هي الصورة الفكرية الاطارية التي استمدت قوتها من الدعوة الى التعليم ورفع الجهل عن الرجل والمرأة على حد سواء، وهي التي ستحدد انخراط المرأة التونسية في ما بعد والى اليوم، في ساحة التنمية الشاملة، ولا شك ان التطورات التي شهدها مفهوم رفع الجهل هي التي ستسير بنا الى معاينة المشهد الذي يتحرك فيه النوع الاجتماعي اليوم.

فإن يكن الجيل الاول من النساء التونسيات انتفع أو استفاد من تعميم التعليم واجباريته في حدود نسبية، حيث لم يكن من السهل القضاء على المخلفات والرواسب الاجتماعية المحيطة والمعيقة لمفهوم رفع الجهل والتعليم، فإن الجيل الثاني في نسبة كبيرة منه انطلق في خوض تجربة التعليم واصبح الحديث ممكنا عن تحصيل معرفة مختصة وفي احيان كثيرة بعيدة ومتعمقة في الاختصاص.

فقد بلغت نسبة الطالبات في التعليم العالي في تونس سنة 2003، 53%. اما نسبة النساء اللواتي يدرسن في الجامعة فتبلغ 38%، وتعد مؤسسة البحث العلمي على مستوى عال، نسبة 35% من الباحثات النساء في مجالات الاختصاصات المختلفة. وفي مرحلة اسبق، اي على مستوى شهادة البكالوريا أو ختم الدروس الثانوية، ارتفعت نسبة الفتيات المتحصلات على الشهادة الى 75% في سنة 2003.

وان يكن للتعليم والمعرفة أهمية خاصة ومتميزة في التدليل على مكانة المرأة التونسية بالصفة العامة، فلأنه مجال يؤشر الى النقلة النوعية التي حققتها المرأة التونسية على جبهات متعددة.

وخصوصية هذا المؤشر انه مسبوق باطار تشريعي مهم يتمثل في قانون الاحوال الشخصية الذي سنه الرئيس السابق المرحوم الحبيب بورقيبة والذي سعى الى تعزيزه وتطويره الرئيس الحالي زين العابدين بن علي.

إن المكاسب التي تضمنها قانون الاحوال الشخصية لفائدة المرأة التونسية متعددة، فهي تبدأ من تحجير الزواج بأكثر من امرأة واحدة وتنتهي بحق المرأة في التصرف في حياتها في اطار من الاضطلاع بالمسؤولية وفي تربية ابنائها والقيام بدورها، كما تحدده لها الوظائف الطبيعية والاجتماعية بوصفها أما وزوجة وفي احيان عاملة.

هذا الاطار التشريعي يشتمل على ادوات للسهر على تطبيقه وعلى المحافظة على المكاسب التي يتضمنها وتتحدد هذه الادوات بهياكل حكومية وأخرى غير حكومية.

فأما الهياكل الحكومية فيتصدرها المجلس الوطني للمرأة والاسرة وتتفرع عنها هياكل أخرى كاللجنة الوطنية للمرأة والتنمية ومركز البحوث والدراسات والتوثيق والاعلام حول المرأة ولجنة تكافؤ الفرص وتيسير تطبيق القوانين ولجنة متابعة صورة المرأة في وسائل الاعلام ولجنة الاعداد للمواعيد الوطنية والدولية الخاصة بالمرأة.

وفي ما يتعلق بالهياكل غير الحكومية، نذكر الأمانة العامة المساعدة المكلفة بالمرأة بالتجمع الدستوري الديمقراطي والاتحاد الوطني للمرأة التونسية والغرفة الوطنية للنساء صاحبات المؤسسات التابعة للاتحاد الوطني للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية والجامعة الوطنية للفلاحات التابعة للاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري ولجنة المرأة العاملة التابعة للاتحاد العام التونسي للشغل. كما يجدر الحديث عن منظمات عديدة أخرى غير حكومية، من أهمها جمعية النساء الديمقراطيات ورابطة الاتصاليات من دون ان ننسى مختلف اللجان المختصة بالمرأة في صلب هياكل وجمعيات غير حكومية كجمعية الصحافيين التونسيين ورابطة الدفاع عن حقوق الانسان.

هذه الهياكل المتعددة في حجمها ولكن ايضا في تصوراتها قضية المرأة وآفاق تحقيق معادلة المساواة في المجتمع التونسي، تجمع على مبدأ المساواة وتكرسه وتناضل من أجله نضالا مستمر اكتسبت بفضله تونس مواقع متميزة ومتقدمة، لكن كل ذلك لا يمنع بعض جيوب الصراع على مستوى الذهنيات السائدة.

فإن تطور التشريع وطلائعية الخطاب السياسي يقابلهما ضغط على التميز الذي حققته المرأة التونسية في مجالات صعبة المراس كالاعلام مثلا. فهو قطاع التأنيث في تونس اليوم على مستوى الاحتراف، ولكن ايضا على مستوى التعليم فالمعهد العالي لعلوم الصحافة والاخبار يعد ثلاثة ارباعه من الطالبات.

وفي قطاع الاحتراف، وبالرغم من الغزو العددي من الصحافيات الاناث الذي بلغ في بعض المؤسسات 80%، فإن عدد الصحافيات المحرزات مناصب المسؤولية يبقى زهيدا، حيث لا يتجاوز قرابة العشرين امرأة!

ولهذا المعطى مدلولاته إذ انه يؤشر على استفراد الرجل بمواقع المسؤولية والقرار في مجال له حساسية خاصة في الحياة العامة.

وهذا ما يؤكد ان مسؤولية المنظمات حكومية كانت أو غير حكومية تبقى محددة في تجسيم قيم المساواة.

ويجدر الحديث عن اهتمام جدي بمفهوم النوع الاجتماعي وايلائه مجالا من البحث والتفكير والتحسيس. فلا يوجد اليوم هيكل في تونس لا يخطط للمساواة ولا يولي مسألة المرأة العناية الضرورية بايجاد الآليات المناسبة.

على ان ما يبقى محددا في مجابهة المفارقة بين التشريع والواقع هو التركيز على المنحى الفكري والثقافي لتكوين مواطن المجتمع المدني. وكما انه من الضروري والمحدد ايضا السعي الى الحفاظ على المكتسبات التي حققتها المرأة على امتداد نصف القرن الماضي وبداية هذا القرن. واعتقد ان الادوات الممكنة لهذا المطمح هي ادوات معرفية وفكرية بالاساس لا يمكن ان تتأسس خارج محاربة الجهل ونشر ثقافة حقوق الانسان والتوق الى تحقيق قيم الديمقراطية.

* صحافية تونسية وباحثة في علم الاجتماع الثقافي