الملازم أول سعد العدواني انتقل الى رحمة الله تعالى بعد دخوله في غيبوبة وذلك نتيجة خطأ طبي حدث له اثناء عملية جراحية في مستشفى خاص نتيجة حقنه بجرعة غير مناسبة من المخدر. وسبقت وفاته سلسلة متباينة من سوء التنسيق ما بين مستشفيات وادارات مختلفة. وتناولت بعض الصحف تغطية الموضوع الانساني والذي نال تعاطفا غير بسيط من مسؤولين ومواطنين. وبعد وفاة الملازم أول سعد العدواني، رحمه الله، قام صاحب المستشفى الذي حدث فيه الخطأ الطبي، الدكتور عاكف المغربي بالتصريح عن تحمله وتحمل المستشفى كامل المسؤولية النظامية والأدبية وتوضيح ما حدث وكيف نجم الخطأ وما هي الاجراءات التحقيقية والتحفظية التي تم اتخاذها.
والخطأ الطبي هو اضافة جديدة لسلسلة الأخطاء الطبية الكثيرة التي تسببت في وفيات وعاهات مختلفة من دون وجود آلية متكاملة ادارية وقضائية واجرائية تكون منظومة متجانسة للتعامل مع هذا الأمر الحيوي. ويبدو ان الاجهزة المكلفة للنظر في تلك المسائل لا تنسق فيما بينها، فاللجنة الطبية المعنية بذلك من قبل وزارة الصحة من جهة، ووزارة العدل من جهة، وطبعا وسط غياب الغطاء التأميني النظامي الذي يحمي المريض والمستشفى والطبيب ستظل كل الاجراءات المتبقية والمرجوة ناقصة وهذا يتطلب اعادة نظر واعادة تفعيل.
لكن بارقة الأمل والخبر "الجيد" في خضم هذه المأساة الانسانية الكبيرة هو مبادرة صاحب المستشفى الدكتور عاكف المغربي بالاعتراف بالخطأ وتحمله المسؤولية كاملة بلا هروب ولا تمييع للموضوع. الاعتراف بالخطأ وتحمل المسؤولية قيمة مغيبة في مجتمعنا ولا وجود لها الا فيما ندر. على عكس دولة كاليابان مثلا حين يقوم مسؤول رسمي أو مسؤول في شركة مساهمة بالاعتراف علنا أمام حشد ضخم من الحضور أو في بعض الاحيان أمام أجهزة الاعلام من صحافة وراديو وتلفاز مبديا الخجل والعار وباكيا ومنهارا لأنه قد خذل من وضعوا ثقتهم فيه، بل وصل الأمر في بعض الأحيان ان قام المعتذر بالانتحار لأنه غير قادر على مواجهة الناس بعد خطئه الفادح.
في ظل غياب المصارحة والمكاشفة والشفافية المنشودة التي يتغنى بها، وتسمية الأمور بأسمائها صراحة واثابة المحسن ومعاقبة المخطئ وذلك بدلا من وضع اللوم بعبارات مبهمة ومطاطة وشديدة الرمادية "كالظروف" و"الأسباب القهرية" و"الاوضاع غير المناسبة".. تلك المسميات التي تستخدم في تبرير أي خطأ أو اخفاق، لن تتم الاستفادة من تجارب الخطأ ولا تصويبه بالشكل اللائق. واذا كانت حكمة "الاعتراف بالحق فضيلة" غائبة عن الممارسة الفعلية في حياتنا اليومية بالشكل السليم، فالمطلوب أن يمدح ويثنى على من يقوم بممارسة ذلك حتى يكون قدوة لغيره. فكيف ان "الوادي المتصدع" و"مجاري جدة" و"احتكار البنوك" و"تأخير نظام سوق المال" كلها مصائب وكوارث واخفاقات ادارية هائلة وغيرها مرت من دون تحمل المسؤولية من أحد والاعتراف بالذنب وحتما من دون الاعتذار؟!
كل الأمل ان تتم معالجة موضوع الأخطاء الطبية بشكل متكامل بحيث يكون لكل جهة دورها الفعال متجانسا مع بقية الجهات.