عندما نخاف من التفكير

TT

«في العام الماضي كنت اشرف على مجموعة نشاط تسمى «جماعة اللغات» في المرحلة الثانوية، فيها54 طالبة في فصل ضيق، بينهن من لا يعرفن من الانجليزية سوى «هاي» و«باي». ما حدث اني حاولت جاهدة لاخلق عملا ينتشلنا من الروتين، ويحمس الطالبات، ويبث الرغبة والثقة في نفوسهن بعيدا عن اللوحات الجدارية. اتفقت مع الطالبات على ان نصدر جريدة اسبوعية باسم مجموعتنا نعمل عليها بأنفسنا من الألف الى الياء لعلمي ان ثلاثة ارباع الطالبات لديهن المهارات الاساسية للعمل على الكومبيوتر. قسمنا الاعمال كجريدة مصغرة من فريق اخباري يصوغ ما يحدث في المدرسة باسلوب جذاب وجديد، الى تحقيقات عما يجول في افكار الطالبات وما يردن التعبير عنه، الى اخراج الجريدة بعد طباعتها بشكل يقارب شكل الجرائد اليومية. ما حدث ان الجماعة تحولت الى خلية نحل تعمل يوميا واصبحت أرى طالباتي يتناقشن معاً في تصميم تام لاخراج الجريدة ويفاجئن الجماعات الاخرى بابداعهن. المهم.. خرجت الجريدة الى النور، وحرصت ان يذهب وفد منهن لتقديم اول عدد للمديرة. ماذا كانت ردة فعلها؟

استدعتني ووجهت الي تنبيها حازما بأن لا اسمح للطالبات ان يتناولن هذه المواضيع «مانبي نفتح عيونهم على هالاشياء ونعطيهم مجال ينتقدون ويعطون رأيهم، خليهم يجيون مواضيع دينية، نصائح، طرائف، وبس لأن اعطاء الطالبة فرصة للحديث عن هذه المواضيع سيفتح علينا ابواب نحن في غنى عنها...». اخي عبد الرحمن الراشد المواضيع المنشورة في عددنا الاول كانت كالتالي: الصفحة الاولى اخبار مدرستنا 2 ـ لقاء مع طالبة متفوقة 3 ـ صفحة لتعليم بعض الكلمات من لغات متنوعة وكان اول عدد من اللغة الفرنسية 4 ـ تحقيق مع الطالبات عن السبب وراء الهروب والخوف من مواد معينة بذاتها كالرياضيات والانجليزية 5 ـ خواطر (بريئة جدا جدا جدا) باقلام الطالبات 6 ـ صفحة متعلقة بالكومبيوتر ومواقع مفيدة 7 ـ صفحة تتحدث عن كتب مميزة تناقش كتاباً معيناً واخذ آراء الطالبات والمعلمات ممن قرأنه 8 ـ منوعات متعلقة بالدراسة وكاريكاتير، فقط».

هذه الرسالة التي بعثت بها معلمة كأنها قصة خرافية او دعابة الكترونية لكنها تقول هذا هو واقع المدرسة اليوم. فيها خوف من المجهول قابض على عقول كثيرين منا، فيها صراع اجيال، لماذا نسمح لبناتنا أن يفكرن بما لم نفكر به؟ ولماذا نسمح لهن ان ينشطن في مجالات نجهلها؟ في الماضي كانت الصحف الحائطية عملا اعلاميا متطورا تعلق على جدران المدرسة لكنها اليوم توشك ان تصبح شيئا من الماضي مع ظهور وسائل العرض الالكترونية. الافكار تبدلت هي الأخرى كما الاساليب لكن مديرة كهذه في مملكتها الصغيرة لا تريد لأحد ان يقرأ او يكتب او يجرب جديدا، تريد العالم داخل مدرستها ان يظل جامدا. انها لا تدري استحالة ايقاف الزمن وايقاف التعلم الا بحبس البنات في بيوتهن وقطع صلاتهن بمجتمعهن وقطع اسلاك الانترنت ورمي الجوال واطفاء التلفزيون ومنع السفر.

لا يمكن لمجتمع ان يبني المدارس ان يمنع في الوقت نفسه التعلم والتطور. فالمدرسة هي مجتمع حي لا يمكن ان يوقف عند الزمن الذي تتذكره المديرة في طفولتها، ولا يعقل ان يحجم تفكيرهم عند تفكيرها، في وقت تؤسس المدارس من اجل ان يوسعوا مداركهم وقدراتهم الثقافية.