..وأطفال مشردون يجمعون قوتهم و«حقوقهم» من على أرصفة المدن

TT

«الناس بيعاملونا وحِش.. كأننا كلاب في الشوارع.. مسؤولو الشرطة يأخذون ما معك من أموال بالقوة.. وبعدين يتركونا نمشي.. وإذا لم يكن معنا نقود.. يضعونا في الحجز وبعدين يتركونا. وهم يتركون الأطفال «الصغيرين» على طول بعد 3 أو 4 أيام...»

ذلك ما يقوله أطفال الشوارع بإحدى العواصم العربية، وهو ما يمكن سماعه، ايضا، على ألسنة أطفال الشوارع في مدن الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

سيظل تيار الفقر المتزايد، والعائلات المفككة، والعدد القليل جدا من المدارس، والرسوم المرتفعة جدا للتعليم «المجاني»، والعنف الأسري، واعتماد الأسر على الدخل الذي يأتي به الأطفال، يدفع بأعداد هائلة من الأطفال إلى العمل والعيش في الشوارع ليواجهوا سوء التغذية، والأمراض، والاستغلال الجنسي، والقبض العشوائي، وعنف الشرطة، والتجنيد في عصابات المجرمين، وإدمان شم المذيبات «الكلة» وأنواع أخرى من المخدرات.

لم يكن الحديث بصراحة عن ظاهرة أطفال الشوارع ممكناً منذ سنوات عدة مضت، لكن في الأسبوع الماضي، اجتمع بالقاهرة ما يقرب من خمسين خبيرا من هيئات حكومية وغير حكومية من جميع أنحاء المنطقة، لحضور أول مؤتمر إقليمي لتعزيز وحماية حقوق أطفال الشوارع.

وأجمع حضور المؤتمر على حقيقة أن كلاً من الحكومات والمجتمع المدني، قد تباطآ في تناول تلك القضية، وغالبا ما كانت جهودهم تفتقر إلى التنسيق والتخطيط الجيدين، مما أدى، في بعض الأحيان، إلى زيادة عدد أطفال الشوارع وزيادة ما يلاقونه من إيذاءات. وقد وثقت منظمة «هيومان رايتس واتش» تلك الحقائق في التقرير الذي أصدرته عام 2003، تحت عنوان «متهمون بأنهم أطفال»، كدراسة حالة عن الانتهاكات التي يتعرض لها أطفال الشوراع، وحالات القبض العشوائي عليهم بعد عام 2000، عندما أعُطي للشرطة دور رئيسي في القانون في ما يخص حماية الأطفال «المعرضين للانحراف»، وهي الفئة التي يندرج تحتها الأطفال المتسولون والمشردون والهاربون وجامعو القمامة، ونادرا ما يتلقى الطفل المقبوض عليه الرعاية التي يحتاجها. بل ان شهادات بعض الأطفال الذين قد لا تزيد اعمارهم عن التاسعة، تفيد بأنهم دائما ما يقضون أياما في مقار احتجاز مزدحمة وفي حالة مزرية داخل أقسام الشرطة، حيث يتعرضون للضرب أو الإيذاء الجنسي من قبل رجال الشرطة أو المجرمين البالغين. وذكر بعض الأطفال الذين قابلتهم، أنه تم القبض عليهم من قبل حوالي عشر مرات تقريبا، وفي كل مرة يعودون إلى الشارع.

بيد أن الصورة ليست على تلك الدرجة من القتامة، فقد أثبتت بعض التجارب، قدرتها على الحد من العدد المتزايد من أطفال الشوراع، إلى جانب تحسين أوضاع الأطفال الذين يعملون أو يعيشون في الشارع. وقد اعتمد نجاح تلك التجارب على خطط متكاملة لمنع الظاهرة وحماية أطفال الشوارع وإعادة دمجهم في المجتمع.

في البدء، هناك حاجة إلى التدخل المبكر، وذلك من خلال توفير الدعم المالي اللازم لعائلات الأطفال المعرضين للتشرد، حتى يتسنى للأطفال البقاء في المدارس، حيث أن إبقاء الطفل في المدرسة يساعد على إبعاده عن الشارع، لكن ذلك لن يتم من دون إتاحة مزيد من فرص التعليم، حتى لا تقف الرسوم المرتفعة أو عدم كفاية المدارس العامة، عائقا أمام ذهاب هؤلاء الأطفال إلى المدارس، فضلا عن تطوير المناهج التعليمية حتى تلبي الحاجات التنموية لدى الأطفال، وتمنحهم المهارات اللازمة التي تؤهلهم لإيجاد فرص عمل. كما أن هناك حاجة أيضاً لتوفير الرعاية الاجتماعية للعائلات المفككة أو العائلات التي تواجه مشكلة العنف الأسري داخلها.

ثانيا: يجب التوقف عن معاملة أطفال الشوارع كمجرمين، وإصلاح القوانين التي تجرم الأطفال المتسولين أو المشردين أو الهاربين. كما يجب على الحكومات خلق الآليات اللازمة التي تسمح للأطفال بتقديم شكاواهم في حال تعرضهم للمعاملة السيئة، والتحقيق مع هؤلاء الذين يتسببون في ذلك ومقاضاتهم. هناك خطوات بسيطة من شأنها أن تحد من معدل العنف في العديد من البلدان، مثل تقوية وتعزيز دور القائمين على الرعاية الاجتماعية، وكذا الحد من دور الشرطة مع أطفال الشوارع. وفي ما يخص القائمين على الرعاية الاجتماعية أو الطبية، هناك حاجة إلى الدورات اللازمة لتدريبهم على الوصول إلى الأطفال والعمل معهم ومع عائلاتهم.

ثالثا: يجب توسيع دور «معلمي الشوارع»، وهي التجربة التي قامت المنظمات غير الحكومية بالمغرب بتطبيقها بالفعل، حيث يوفر هؤلاء المعلمون التعليم والرعاية الصحية اللازمين للأطفال، مما ييسر عملية إعادة دمجهم في المجتمع، فضلا عن إعطاء مقدمي الخدمة وصناع السياسات صورة كاملة وفورية عن احتياجات هؤلاء الأطفال.

أما ما يخص الأطفال الذين لا يريدون، أو لا يستطيعون العودة إلى عائلاتهم، فيجب توفير البدائل المؤسسية اللازمة لهم، ومن بينها «الأسر البديلة» و«المنازل الجماعية ذات العدد المحدود».

إن المشروعات الصغيرة المدرة للدخل تمنح الأطفال فرصا للتوفير، كما تنمي لديهم الإحساس بالمسؤولية ومهارات وظيفية أخرى، وأيضا توفر لهم المال اللازم لتلبية احتياجاتهم الأساسية.

هذا الاتجاه في تناول قضية أطفال الشوارع له أعظم الأثر، إلا أنه يحتاج إلى الالتزام من جميع القطاعات الحكومية، وتنسيق جيد في ما بينها، وتعاون مع المجتمع المدني. ويبقى لنا الاختيار، فإما أن نستمر في القول بأن الأطفال هم مستقبلنا بينما نتركهم يناضلون من أجل حماية أنفسهم، أو أن نمنحهم ما يستحقونه ويحتاجونه من الاحترام والحماية لجعلهم أفرادا منتجين للمجتمع.

*باحثة في قسم حقوق الطفل بمنظمة «هيومان رايتس واتش»