الاغتيالات الجوية.. بدعة إسرائيلية

TT

اغتيال الشيخ أحمد ياسين في غزة هز العالم كله، لا لعدوانيته ووحشيته وعدم القدرة على تبريره فحسب، بل لكونه جرى ايضا في ظروف خاصة، عندما كان الشيخ الجليل رحمه الله عائدا من المسجد بعد صلاة الفجر، في وقت تشهد فيه منطقة الشرق الاوسط وضعا حساسا جدا لا تحسد عليه ابدا.

لقد عمدت إسرائيل الى القيام بعمليات الاغتيال على مدى السنوات الماضية بأسلوب مبتكر جدا لم يسبقها اليه أحد.. اي استخدام طائرة الهليكوبتر الهجومية «أباتشي» المتطورة تقنيا في تصفية ضحاياها، رغم انها تعد في الواقع سلاحا تكتيكيا وإستراتيجيا بارزا ومخصصة لأغراض أخرى على جانب كبير من الاهمية تختلف تماما عن الاغراض التي تستخدمها فيها.

لقد طورت الولايات المتحدة هذه الطائرة التي يبلغ ثمن الواحدة منها 20 مليون دولار، وفقا للاسعار الحالية، إبان الحرب الباردة بين الكتلتين الشرقية والغربية، للوقوف في وجه جحافل الدبابات والمدرعات السوفياتية التي قد تغزو أوروبا. ومع الزمن تطورت الى أداة معقدة جدا ذات كثافة نيران عالية تستخدم في اكثر من 20 دولة حتى الان، ويتطلب استخدامها خبرة واسعة.

صحيح أن الدول الكبرى استخدمت في الماضي والحاضر الطائرات الحربية الثقيلة في محاولة اغتيال زعماء الدول المعادية وقادتها ورموزها الكبار، إلا أن استخدام الهليكوبتر المسلحة سابقة في التاريخ لم تحصل من قبل، بل ان التقارير الواردة من إسرائيل أفادت بانها منذ سنوات عديدة شكلت سربا خاصا من هذه الطائرات لأغراض الاغتيال فقط من دون تكليفها بأي مهام اخرى، وجعلت أطقمها يتدربون على رصد الاهداف البشرية المراد تصفيتها ثم مطاردتها ورصدها عن بعيد قبل محاولة القضاء عليها من الصاروخ الاول، وأشبه بالقناص الذي يصيب ضحيته من الرصاصة الاولى.

في حرب العراق حاولت القاذفات الاميركية الثقيلة من طراز« بي 1»، القضاء على صدام حسين وأولاده وأعوانه بقنبلة ثقيلة يبلغ وزنها أربعة أطنان، استهدفت مطعما في حي المنصور في بغداد، كان يعقد في خلفيته اجتماع للقيادة العراقية. لكن المحاولة فشلت، كذلك فشلت محاولات الحلفاء في الحرب العالمية الثانية التخلص من هتلر عن طريق الغارات الجوية التي استهدفته بشكل خاص. ففي إحدى المحاولات تسللت ليلا مقاتلة قاذفة بريطانية وحيدة من طراز «موسكيتو» (البعوضة) ذات المحركين، جرى اختيار قائدها بعناية فائقة ليلقي بقنبلة ثقيلة واحدة على دار المستشارية الالمانية في برلين، أملا في اغتيال هتلر، لكن المحاولة فشلت أيضا. لكن المحاولة التي لم تفشل وحققت نجاحا باهرا كانت عندما اعترض الاميركيون، إبان الحرب العالمية الثانية، رسالة لاسلكية يابانية تقول إن الادميرال يوهجي ياماموتو قائد الاسطول الياباني ومصمم الهجوم على بيرل هاربر، في سبيله للقيام بعملية تفتيش للقطعات العسكرية اليابانية المنتشرة في جنوب المحيط الهادئ. فما كان من الاميركيين سوى تجريد سرب من مقاتلات «بي - 38» الشهيرة، لاعتراض طائرة الادميرال على مسافة بعيدة وإسقاطها والتخلص منه مع عدد من معاونيه، مما أربك القيادة اليابانية العسكرية كلها.

إضافة الى كل ذلك، فإن استخدام إسرائيل لصواريخ «هيلفاير» الثقيلة من «الاباتشي»، التي يبلغ ثمن الواحدة منها 50 الف دولار لاغتيال أفراد ضعفاء عزل من أي حماية، هو أشبه باستخدام مطرقة ثقيلة جدا لقتل عصفور صغير، على حد وصف العسكريين.

إسرائيل استعانت كذلك بالقناصة المجهزين ببنادق بعيدة المدى ذات العيار الثقيل ومدافع الدبابات، وحتى بالمقاتلات النفاثة الحديثة من طراز «إف ـ 16»، لتصفية الفلسطينيين الذين لا حول لهم ولا قوة أمام هذه الاسلحة الحديثة الغاشمة.