الانتخابات الأميركية: هل يمكن تغيير الإيقاع؟

TT

لم تكن للفكر المحافظ الرحيم حياة تذكر، ولكن انهياره ادى الى تأثير موهن على رئاسة بوش.

لقد بدأ الفكر المحافظ الرحيم، كما تذكرون، كطريقة لتخليص الحزب الجمهوري من الاثار المدمرة لثورة غينغريتش. فقد تعهد نويت غينغريتش تقليل حجم الحكومة، وهو منطلق اعتبره العديد من الناخبين سلبيا. ولذا رفض بوش «التصور المدمر بأنه اذا ما ابتعدت الحكومة عن طريقنا فإن كل مشاكلنا ستحل».

وبدلا من ذلك فإن الفكر المحافظ الرحيم تشكل كفلسفة حاكمة ايجابية تحاول احياء المواطنة المسؤولة مع المزيد من الخدمات على المستويين المحلي والقومي، ومزيد من مشاركة الاباء في المدارس، ومن ثم ستصبح للمواطنين الذين يتولون امر الحكم بأنفسهم الكثير من الحوافز للتبرع للعمل الخيري.

والاكثر من ذلك، فإن الفكر المحافظ الرحيم سيدفع الجمهوريين الى المشاركة في قضايا كانت تعد تقليديا قضايا ديمقراطية. وكان الهدف هو بناء جسور الثقة عبر الحزب وتغيير الايقاع في واشنطن.

وقد بدأ انهيار الفكر المحافظ الرحيم مع مشاكل انتخابات فلوريدا. ففجأة ظهرت المزيد من العداوات، واصبح من الصعب تشكيل حركة مشتركة من الحزبين حول أي قضية. وتردد المسؤولون في الادارة، الذين يثقون بالاخرين بطريقة بطيئة في افضل الظروف، في دعوة الديمقراطيين الى البيت الابيض، خشية انهم ربما يقولون شيئا سيئا بخصوص بوش للصحافيين وهم في طريقهم للخارج.

وجاءت احداث 11 سبتمبر والحاجة الى الحرب على الارهاب. وفجأة لم يعد أحد، في البيت الابيض أو في أي مكان اخر، يفكر في شيء اخر. وعندما كان المحافظون يتجمعون يوميا، كان الحديث يتركز حول القضايا الخارجية. وتبين ان الفكر المحافظ الرحيم كان ورقة رقيقة تلاشت في اطار حرارة الصراع العالمي.

والنتيجة هي ان سياسة بوش الخارجية هي سياسة جريئة ومثالية وجدلية، ولكن سياسة بوش الداخلية اصغر وغير ملهمة، حتى بالنسبة لحلفاء الادارة الطبيعيين.

وبدون رؤية شاملة فإن سياسة بوش الداخلية تبدو أقل من مجموع اجزائها. فسياسة «عدم ترك أي طفل واعانات الدواء» لا يبدو انها ترضي احدا. وفي الوقت ذاته يزداد الانفاق ويقترب العجز، وهو ما يغذي الاحساس بسياسة داخلية هلامية.

في بعض الأحيان يكون من الصعب معرفة ما إذا كانت هناك عملية سياسية على المستوى الداخلي. وعلى صعيد السياسة الخارجية يتصارع رامسفيلد وباول وولفويتز وغيرهم من ذوي الوزن الثقيل حول المسارات المختلفة. ولكن لا يوجد حوار شبيه بهذا على صعيد السياسة الداخلية، أو على الأقل ليس واضحا على السطح. كما أن اضمحلال تيار المحافظين الرحماء يجعل الجمهوريين عاجزين عن العمل مع الديمقراطيين في خدمة قضايا مثل الفقر، الذي كاد أن ينعقد حوله نوع من الوفاق. هل تذكرون عندما جلس حاكم فيلادلفيا، جون ستريت، إلى جوار لورا بوش عام 2001 اثناء خطاب حالة الاتحاد؟ هذا ما لا يمكن تصوره الآن.

إننا نخوض هذه الانتخابات ونحن منقسمون على أنفسنا بنفس القدر الذي كنا عليه عام 2000، ولكن ذلك لم يكن ضروريا. ولو كان المحافظون ذوو الحس الاجتماعي قد فصلوا برامجهم لكان من الممكن ان نشهد حكم أغلبية من يمين الوسط. كما أن علاقة العمل التي نشأت من خلال النشاط المشترك لخدمة القضايا الداخلية كان يمكن أن تساعد في الحرب ضد الإرهاب. وكان من الممكن تجميع صقور الليبراليين من أمثال السناتور بيدين وبايا وليبرمان والسناتورة كلينتون، ليشاركوا في تكوين الإجماع الوطني وليروجوا للحرب خاصة في اوروبا، على غرار الدور الذي لعبه الجمهوريون هنري ستيمسون، وفرانك نوكس، عندما استعان بهما فرانكلين روزفلت في خوض الحرب العالمية الثانية.

خلال الاسابيع الماضية تعارك كيري وبوش حول قضايا السياسة الخارجية. وارتفعت شعبية بوش في الاستطلاعات. ولكن الاهتمام سينصرف في النهاية إلى قضايا السياسة الداخلية، وسيكون على البيت الابيض أن يطرح رؤية شاملة للسياسة الداخلية يغطي السنوات الاربع القادمة، تشتمل على حلول للقضايا الكبرى في الفترة الرئاسية الثانية. ويبدو أن مثل هذه الرؤية يجري تكوينها حاليا. ونرجو أن تكون جريئة ومثالية مثل حلم الرئيس بنشر الديمقراطية في الشرق الأوسط. أما في الوقت الحالي فمن الغريب أن تكون لدينا إدارة تحلق في فضاءات السياسة الخارجية، ولكنها تظل قابعة على الارض فيما يتعلق بالسياسة الداخلية.

* خدمة «نيويورك تايمز»