إرادة الحياة

TT

اعترض بعض الزملاء على طرحي فكرة الانتقال الى الحروف اللاتينية وتبسيط اللغة ضمن عملية الاصلاح. وكان من ذلك «إيميل» مغفل التوقيع استعرض كل الاعتراضات الوجيهة ضد هذه الفكرة. الحقيقية انني لست متزمتا بالنسبة لنبذ الحروف العربية، ولكنني اصر على ضرورة الاصلاح بحيث نستطيع ان نلفظ الكلمة بالشكل الصحيح ونميز بين الفعل والفاعل والمفعول به ونحو ذلك. نحن الآن ـ كما قال طه حسين ـ نتعلم لكي نستطيع ان نقرأ وليس ان نقرأ لنتعلم. لا بد من ايجاد وسيلة جديدة للتشكيل حتى ولو اقتضى الامر احتذاء التجربة التركية.

نحتاج الى اصلاح مشابه في قواعد النحو، حيث يصبح بامكان علمائنا واطبائنا ومهندسينا وتكنوقراطيينا استعمال اللغة العربية بدلا من الاعتماد على لغة اجنبية في مطالعاتهم وفي كتاباتهم. من العار ان اواجه باستمرار اطباء ومهندسين عربا يأتون اليَّ لأكتب لهم تقاريرهم بالعربية وكأنها لغة اجنبية عليهم.

أعترف بالصعوبات الجمة التي تكتنفها كلتا الفكرتين. ولكن لي من ورائهما بعدا سايكولوجيا مهما. كان هناك طبيب الماني اقام مستشفى لمعالجة السرطان حقق نتائج افضل من حيث الشفاء باستعمال اساليب غير اعتيادية. من ذلك ايقاظ المرضى في الصباح الباكر ومطالبتهم بالركض وتسلق جبل مجاور. سخر منه بقية الاطباء ونددوا بقسوته في فرض مثل هذا الواجب على مرضى متعبين اضعفهم المرض. كان جوابه انه بمثل هذه الاساليب يغرس فيهم ارادة الحياة والعزيمة على دحر المرض. وهي نصف المعركة بالنسبة لاي مرض عضال.

هذا شيء اعرفه من تجربة شخصية، فقبل نحو ربع قرن اصبت انا ايضا بالسرطان. وكان ولداي في سن الطفولة. شعرت بمسؤوليتي بأن ابقى حيا من اجلهما، بل على الاقل حتى يبلغا اشدهما. لحسن الحظ انني رجل ذو ارادة قوية، وعقدت ارادتي على دحر المرض. وهو ما كان في زمن كانت فيه معالجة السرطان في مرحلة بدائية. انا واثق ان شفائي منه يعود الى درجة كبيرة الى اصراري على الشفاء وايماني بقدرتي على الشفاء. وهذا درس اسوقه لكل من يواجه مرضا عضالا لا قدر الله.

تعاني امتنا العربية من مثل هذه الامراض العضال التي اوصلتنا الآن مرحلة مريرة من اليأس والكسل والخذلان والركون الى القدرية واللاأبالية. اصبحت الآخرة املنا الوحيد، فراح شبابنا يتسابقون اليها بالعمليات الاستشهادية. نحتاج لما يبعث فينا الشعور بتجدد الحياة وارادة الحياة ويعيد الى مسامعنا كلمات الشاعر الشابي:

اذا الشعب يوما اراد الحياة ـ فلا بد ان يستجيب القدر

ولا بد لليل ان ينجلى ـ ولا بد للقيد ان ينكسر

في مواجهة الحلول الصعبة وتبنيها بإرادة قوية وتنفيذها بعزيمة حديدية سيمكننا ان نعيد لأنفسنا الايمان بقدرتنا وحيويتنا. وكثيرا ما تأتي هذه الخطوات العازمة في امور تبدو ثانوية وغير ضرورية، كتسلق مرضى السرطان للجبل. ولكن ابعادها السايكولوجية ستفتح الابواب للخلاص وتجعل منا عمالقة كبارا واثقين بأنفسهم.

اذا الشعب يوما اراد الحياة! لقد اوصلتنا القضية الفلسطينية الى حالة تعيسة من اليأس والروح الاستسلامية. راح اكثرنا ـ وانا منهم ـ يدعو الى وضع حد للمسألة. كفاية ضياع وخسائر وهزائم. لم يبق لنا غير ان نسلم بالأمر الواقع ونقبل بما تجود به علينا اسرائيل. يتفاقم شعوري الاستسلامي هذا كلما اسمع بما تقوم به القيادات الفلسطينية.

ولكنني كلما اعود وأعاين ما يقوم به الشعب الفلسطيني على مستوى الارض وساحة المعركة، اتلمس تلك الروح العازمة على الصمود والانتصار، انها ارادة الحياة والبقاء والانتفاض ضد السرطان. اقول لنفسي لا يمكن لشعب كهذا غير ان ينتصر في الاخير مهما بعد الطريق وتجرحت الاقدام.