في دهاليز حكومتنا عفن وتشويه متعمد للسمعة الشخصية

TT

جاء في مقال نشر بصحيفة «هآرتس» الإسرائيلية عن قتل الشيخ أحمد ياسين ما يلي:

«هذه ليست أميركا: فالحكومة لم تخترع المعلومات الاستخبارية، كما أنها لم تضخم حجم الخطر حتى تبرر الهجوم».

هكذا إذن، صارت إدارة بوش حتى في إسرائيل مرادفا للخداع وإساءة استخدام السلطة. كما أن رد فعل الإدارة على كتاب ريتشارد كلارك، «في مواجهة كل الأعداء»، يعد دليلا جديدا على أن هناك شيئا متعفنا في دهاليز حكومتنا. والحقيقة هي أن ما يقوله كلارك حول سياسة بوش في مكافحة الإرهاب ليس مثار نزاع وسط الخبراء. وحقيقة أن إدارة بوش وضعت الإرهاب على نار هادئة في الموقد الخلفي، وأنها اتهمت العراق من دون أي دليل، تؤكدها مصادر عدة، بما فيها بوب وودوارد في كتابه «بوش محاربا».

وما تنفك مزيد من الأدلة تبرز إلى الوجود لتدعم مقولة كلارك الأساسية، وهي أن الهوس المتعلق بالعراق عرقل مطاردة تنظيم «القاعدة». وقد جاء في صحيفة «يو إس إيه توداي» عدد الاثنين:

«في عام 2002، سحب عدد من الجنود من الفرقة 5 من القوات الخاصة المتخصصة في الشرق الأوسط لتتفرغ لمهمتها الجديدة: وهي العراق. وقد حلت محلها قوات تتمثل خبرتها في الثقافات الإسبانية». وهذا هو السبب في أن الإدارة تصدت لكلارك بنفس الطريقة التي يمكن التصدي بها لكل من يكشف معلومات تبعث على الضيق، أي اللجوء إلى اغتيال شخصيته. ويبدو أن بعض الصحافيين بدأوا يتبينون ذلك أخيرا. ففي الاسبوع الماضي جاء في تحليل إخباري نشرته «أسوشييتد برس» أن الهجمات ذات الطابع الشخصي أصبحت هي الطريقة المعيارية التي تتعامل بها هذه الإدارة، وأشار التحليل إلى حملة تدور وراء الكواليس لتشويه سمعة ريتشارد فوستر، أخصائي العناية الصحية، الذي كشف كيف استطاعت الإدارة أن تخدع الكونغرس حول تكلفة الأدوية الحكومية.

ولكن صحافيين آخرين ما يزالون يبدون استعدادهم لتقديم الخدمات. فقد قال وولف بليتزر لمشاهديه على شبكة «سي إن إن»، أن مسؤولين لم يكشفوا عن أسمائهم، قالوا إن كلارك يريد أن يجمع بعض المال، وإن في حياته الشخصية هناك بعض الجوانب الغريبة.إن لجوء هذه الإدارة إلى اساليب تشيين السمعة واغتيال الشخصية لا سابق لها مطلقا، ولا حتى في إدارة نيكسون. والأكثر إزعاجا من ذلك هو استعدادها لسوء استخدام السلطة، أي استخدام الآلة الحكومية لتخويف البعض وإخضاعهم.

ولكي نكون عادلين، فإن اقتراح السناتور بيل فريست باحتمال اتهام كلارك بالحنث باليمين ربما يكون فكرته هو. ولكن تحركه يذكر الجميع برد فعل البيت الابيض على ما كشفه وزير الخزانة الاميركي السابق بول اونيل، بالتحقيق الفوري فيما اذا كان قد كشف عن معلومات سرية. ويمكن مقارنة السرعة التي بدأ بها ذلك التحقيق، بافتقار الادارة الواضح لمعرفة من الذي سرب هوية عميلة وكالة الاستخبارات المركزية فاليري بلام الى بوب نوفاك.

وهناك العديد من القضايا الاخرى للاستغلال الواضح للسلطة من جانب الادارة وحلفائها في الكونغرس. ومن بين الامثلة على لذلك: طبقا لهيل، فإن اعضاء الكونغرس من الجمهوريين هددوا بقطع الميزانية عن مكتب المحاسبة العامة، الا اذا تنازل عن قضيته ضد ديك تشيني. وذكرت صحيفة «واشنطن بوست»، ان النائب ميشيل اوكسلي قال لممثلي جماعات النفوذ ان تحقيقا للكونغرس يمكن ان يخفف اذا حل جمهوريون محل ديمقراطيين. واستخدام توم ديلاي وزارة الأمن الوطني لملاحقة الديمقراطيين الذين يحاولون منع اعادة تقسيم الدوائر الانتخابية. كما تنفق «ميدي كير» ملايين الدولارات على اعلانات مضللة حول فوائد لأدوية جديدة - وهي اعلانات تبدو مثل التقارير الاخبارية، وتستخدم كإعلانات تجارية لحملة بوش.

وعلى جبهة الارهاب، فهناك قصة تستحق اهتماما خاصا. ففي واحدة من الإدانات الناجحة بعد 11 سبتمبر- قضية في ديترويت - بدأت الامور تتكشف. فقد حجبت الحكومة معلومات عن الدفاع، وتم ترحيل شهود غير مفضلين بالنسبة للادعاء (بالصدفة، كما قالت الحكومة). وبعدما اشتكى المدعي الاساسي السابق من تعامل وزارة العدل مع القضية، وجد نفسه رهن التحقيق الداخلي - وسرب شخص ما حقيقة انه رهن التحقيق الى وسائل الاعلام.

كيف سينتهي الامر؟ في كتابه الجديد «اسوأ من ووترغيت» يقول جون دين، الذي شارك في فضحية ووترغيت: أراقب كل العناصر وهي تتجمع لوقوع كارثتين سياسيتين، واحدة ستسحب البساط من تحت بوش - تشيني، والأخرى وهي اكثر إزعاجا، تلك التي ستسحب البساط من تحت قدمي الديمقراطية.

*خدمة «نيويورك تايمز»