خطاب العقول

TT

يطرح العرب على انفسهم منذ سنوات طويلة سؤالاً جوهرياً: «كيف نستطيع ان نواجه النفوذ الاسرائيلي في اميركا»؟ والجواب ليس سهلاً بالطبع. ولكن السؤال الأكثر اهمية ودقة وجوهرية، هو كيف يمكن ان نجعل الاميركيين يصغون عندما يكون المتحدث العربي مقنعاً وصادقاً ولا جدال. وخصوصاً عندما يكون منصفاً وواقعياً وكل ما يريده هو تغيير الظلم وليس تغيير العالم. القضية هي انه في العقود الاربعة الماضية استمعت الولايات المتحدة الى بعض ارقى العرب الذين هم ايضاً من بعض ارقى الناس، لكنها لم ترد او لم تستطع ان تصغي. وعندما اصغت لم ترد ان تفهم. وعندما فهمت لم ترد ان تقبل بما ادركت ووعت.

اطلعت هذا الاسبوع على محضر لقاء الامير سعود الفيصل مع مجموعة من كبار الشخصيات الاميركية في «مجلس العلاقات الخارجية» في نيويورك، وعلى اجزاء كبيرة من محضر اللقاء بين وزير خارجية لبنان الاستاذ جان عبيد والسفير الاميركي فنسنت باتل. وتساءلت، لو كنت اميركياً، ماذا افعل بهذا الكلام ؟ قال الامير سعود للاميركيين ما معناه: عقلُ وفكرُ وسلوكُ اسامة بن لادن، ليس نتاج المدارس السعودية. انه نتاج حركة الاخوان المسلمين ومشروعها في افغانستان. واذا كان لنا من مسؤولية في هذا الامر فإننا نتناصفها معكم. هل تتذكرون كيف كان اعلامكم يتحدث عن «المجاهدين»، وماذا كان يعني لكم الدعم السعودي؟ والآن ماذا يحدث ؟ هناك 16 مليون سعودي يؤخذون بوزر 15 شاباً من اصل 19 قاموا بكارثة 11 سبتمبر (ايلول). ان ما يفعله إعلامكم وبعض سياسييكم يصب في مساعدة «القاعدة». ألا تلاحظون اننا البلد الوحيد الذي يحاربها ؟ الا ترون كيف تستهدفنا ؟ الا تعرفون انها تريد تقويض جميع الانظمة الاسلامية لكي تقيم الخلافة بزعامة اسامة بن لادن؟ الا يذكركم مسلك هؤلاء الحياتي بمعتنقي المذهب الصوفي المعروف بـ «اميش» في بنسلفانيا او بالمذاهب المشابهة التي ظهرت في العقود الاولى من قيام الولايات المتحدة ؟ بسبب ما ارتكبه رفضت اميركا طلابنا. ولم يرضها او يقنعها اننا نطبق الآن اقصى نظام رقابي مالي لكي لا تصل الاموال الى الارهابيين. لقد بدأت علاقتنا معكم ببئر بترولية وتوسعت لكي تصبح احدى اهم الشراكات الاقتصادية في التاريخ، فهل يذهب كل ذلك ردة فعل على ما ارتكبه 15 سعوديا ً؟

وعدّد الامير سعود اسماء وعناوين الكتب القبيحة التي تملأ المكتبات هذه الايام: «1001 سبب لعدم قتل العائلة السعودية باسرها». «مملكة الكراهية». «ال سعود وآل بوش: العلاقة السرية بين اقوى سلالتين حاكمتين في العالم»: وروى الآتي: «عندما اتصلنا بأحد كبار السياسيين في هذا البلد وسألناه عن اسباب استمراره في الهجوم على المملكة بشأن نقاط الارهاب وخط الاموال، بعدما قدمنا له جميع الوقائع المتعلقة بهذه المسائل، كان جوابه ببساطة: لا تهتموا لما نقوله هذه الايام. هذا موسم الانتخابات وهو مليء بالغباء». وقال الامير سعود لسامعيه:«عندما كان الراديكاليون والشيوعيون يدقون ابوابنا لم يكن في خزانة وزارة المالية سوى 320 دولاراً. وقد انتصرنا يومها وسوف ننتصر في هذا الصراع.

هل اصغى الاميركيون ام ان المواقف متخذة مسبقا ً؟ كم هي المرات التي يستمع فيها «مجلس الشؤون الخارجية» الى رجل دولة في وزن سعود الفيصل وارثه الديبلوماسي والسياسي؟ لا تتسع هذه الزاوية لأن اعرض لكل ما قاله الامير سعود في مخاطبة اركان الرأي العام الاميركي. ثم انني اريد ان انقل ايضاً شيئاً مما قاله الاستاذ جان عبيد للسفير الاميركي: هل هناك عدل بشري في إعطاء الفالاشا والروس الجنسية الاسرائيلية وحجب حق العودة عن الفلسطينيين؟ وهل تعجب اذا تهافت الناس على الموت عندما تصبح الحياة اسوأ من الموت؟