لماذا نهضت أوروبا وتخلف العرب؟

TT

العالم الآن هو عالم تكتلات سياسية واقتصادية، فما يسمى بالاتحاد الاوروبي إنما بدأ كمجموعة من ست دول اوروبية في غرب اوروبا، فيما كان يسمى آنذاك بمجتمع الفحم والصلب عام 1951. وفي عام 1973 أصبح الاسم الجديد للمجموعة هو السوق الاوروبية المشتركة، وأخيرا، الاتحاد الاوروبي في عام 1992، الذي يضم الآن، ومنذ الاول من مايو الحالي 25 دولة تنطق بعشرين لغة، وبعدد سكان يقارب 450 مليون نسمة بعد انضمام عشر دول اليه، ثمان منها من شرق اوروبا، اثنتان هما مالطة والنصف اليوناني من قبرص، بل أن هناك جهوداً ُتبذل لضم روسيا الى الاتحاد مستقبلاً. كان هدف الزعماء الاوروبيين بهذا التوسع التدريجي جعل القارة الاوروبية «قوة عالمـية» وأكبر قوة تجارية في العالم يسودها السلام والازدهار.

فانتقل التفاوض بينهم حول الوحدة السياسية الى الوحدة النقدية. وعليه، فقد ُطرح اليورو للتداول في عام 1999، ثم وضع دستور للاتحاد، ولا بـد للتكتل أيضاً من مجلس وزراء (المفوضية الاوروبية)، وبرلمان (البرلمان الاوروبي)، ووزير خارجية ينطق باسم الجميع، علماً بأن أصوات الأعضاء لا تتساوى في مجلس الوزراء فلألمانيا وفرنسا مثلاً، أصوات أكثر، ولا بد أيضاً من بنك مركزي اتحادي وبالفعل يوجد البنك في فرانكفورت...وهكــذا..

بعد سقوط حائط برلين عام 1989، الذي أسقط بدوره الستار الحديدي عن دول شرق اوروبا، من الطبيعي ان تنادي دول غرب اوروبا بالديمقراطية والسوق الحر. وهي امور لم تتمتع بها شعوب شرق اوروبا من قبل. وعليه فقد وضع الاتحاد عام 1993 «معيار كوبنهاغن Copenhagen criteria»، الذي يشترط على الدولة الراغبة في العضوية أن تـتبنى الحكم الديمقراطي وتحمي حقوق الانسان، مع اقتصاد حر بحيث يكون عجز الميزانية العامة بنسبة 3%، والالتزام بسياسة خارجية مشتركة، و كم هائل من القوانين والتشريعات التي تعرف بـ« Communautaite acquis ». وشرط آخر ان تكون دولة اوروبية، ولكن لا يقصد بذلك انها تعتنق المسيحية، فالاتحاد الاوروبي لم يقم على أسس دينية، وعليه يمكن ان تنضم اليه تركيا أو البوسنة مثلاً، إذا ما حققت الشروط السابقة.

في العادة، فان الدول التي ترغب في الانضمام، هي دول فقيرة وزراعية، وما يجذبها نحو الاتحاد هو المساعدات الإنمائية الضخمة التي يقدمها الاتحاد ويدعم المزارعين فيها، والتي نقلت دولاً فقيرة كإسبانيا وايرلندا، من الفقر الى صفوف الدول الغنية، الى درجة ان بعض التحليلات الاقتصادية تقول ان ايرلندا الآن هي أكثر ثـراء من بريطانيا وفقاً لبعض المعايير.

معدل الدخل الفردي في هذه الدول العشر الجديدة يبلغ 11500 دولار في السنة، وهو نصف مثيله في الدول الخمس عشرة القائمة في الاتحاد. ويتوقع بعد انضمام الدول الجديدة ان يرتفع مستوى دخل الفرد. فمثلاً لو لم تنضم بولندا الى الاتحاد أخيرا، لتطلب الامر منها ان تنتظر 59 سنة حتى تصل الى متوسط الدخل الفردي المتاح الآن.

هناك دول اخرى سوف تنضم في عام 2007، مثل رومانيا وبلغاريا، تسبقهما كرواتيا ومقدونيا. أما تركيا فتتوق للانضمام، لكن الاتحاد اشترط عليها الغاء عقوبة الاعدام فيها، وأن تطلق حرية الصحافة، وتشارك في تسوية قضية قبرص المقسمة، مع الإقرار بحق الأقليات التركية في الاحتفاظ بلغتها ومدارسها الخاصة، ففعلت ذلك.

اوروبا الآن قوة عظمى، ففي مجال السياسة الخارجية حققت اوروبا ما يُفترض أنه أهداف للسياسة الخارجية الأميركية. فعلى سبيل المثال احتضنت اوروبا جمهوريات السوفيات السابقة في البلطيق وشرق اوروبا، وعززت التضامن الديمقراطي على طول الحدود مع روسيا، واستعملت نفوذها الاقتصادي لتضغط على الرئيس الروسي فلاديمير بوتن لكي يحافظ على الديمقراطية في روسيا.

وفي مجال الاستخبارات المركزية، يتحدث كثير من الاوروبيين لغات الشرق الاوسط، مما يسمح لهم بالاندساس بين صفوف الجماعات الارهابية وملاحقتها. وكانت اوروبا، وليست الولايات المتحدة، من يؤكد على الإغراءات السياسية والاقتصادية بدلاً من سياسة الاحتواء، مما جعل ايران تنصاع للتفتيش الدولي على مفاعلاتها النووية، وكذلك تقدم المساعدات الإنمائية للدول الفقيرة بما يفوق ثلاث مرات المساعدة الأميركية، وترسل جنوداً منها لعمليات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة، هذا فيما يعتبر كثير من المجتمعات ان الولايات المتحدة تشكل خطراً على السلام يفوق خطر «القاعدة».

يقول المحللون الأميركيون ان أميركا لا تكترث بالتوسع الاوروبي، فأميركا من وجهة نظرهم، لا تقيس القوة من خلال حجم المساحة الجغرافية او حجم السكان، وإنما من زاوية الاقتصاد والتقنية، لا سيما التقنية العسكرية، فالاوروبيون يعملون أقل من الأميركيين، والبطالة عالية في اوروبا، وساعات العمل قليلة، وفترة العطل طويلة، كما ان اوروبا مجتمع للمسنين حيث ينخفض فيها معدل المواليد، وبالتالي ستظل هناك فجوة في مستوى التقدم بين الاقتصاد الأميركي والاقتصاد الاوروبي في السنوات المقبلة.

ذكرنا آنفاً، انه إذا كانت اسبانيا قد انتقلت من الفقر الى الغنى، وإذا كان الناتج القومي الاسباني يفوق مدخولات الدول العربية مجتمعة، فلنا ان نتصور الكم الهائل من الطاقات والامكانيات العربية غير المستغلة الاستغلال الأمثل. هذه دولة اوروبية واحدة كانت فقيرة وعندما نمت ببطء تفوق ناتجها القومي على ما لدى العرب.

لقد نجحت اوروبا في تحقيق الوحدة السياسية والاقتصادية، لأنها وضعت المصلحة الاقتصادية قبل كل شيء، وفشل العرب لأنهم وضعوا القاعدة العاطفية أولاً قبل التعاون الاقتصادي، مع انهم يمتلكون موارد اقتصادية ضخمة ولغة واحدة مشتركة وموقعا جغرافيا مميزا وتاريخا عريقا. انظروا الى العالم الثالث، هناك الآن معجزة اقتصادية في الصين بعد ان كانت متخلفة، إن اقتصادها الآن ينمو بسرعة عالية الى درجة ان حكومتها تريد ان تكبح سرعة نمو الاقتصاد، وجنوب افريقيا عانت من الانعزالية الدولية بسبب سياسة التمييز العنصري، لكنها أنشأت صناعات متقدمة، ودول جنوب شرق آسيا، كماليزيا حققت معجزة اقتصادية، وكوريا الجنوبية نهضت صناعياً، وبالطبع اذا تطور الاقتصاد تطورت المجالات الاخرى، فلماذا إذاً نهضت تلك الدول وتخلف العرب؟

* كاتب كويتي