لا تتجاهلوا هذه الحقيقة.. العراقيون هم الضحية الفعلية

TT

مع كل صورة جديدة من الحرب واحتلال العراق تأخذنا الى مستوى جديد من الجحيم، تصبح الاتهامات ونظريات المؤامرة أعلى صوتا، وننسى من ارتكب افعالا بحق من، والأكثر اثارة للحزن أننا ننسى من هم الضحايا.

وليست الانتهاكات والتعذيب السادي للعراقيين على أيدي السجانين الأميركيين في سجن أبو غريب، والقتل الوحشي لنيك بيرغ، سوى المثال الأخير على السرعة التي ننسى بها الضحية. فبدلا من ادانة الانتهاك والتعذيب وشجب ذبح بيرغ، فان كثيرا من الناس يستخدمون الحدثين المأساويين كدليل على لاإنسانية «الأطراف الأخرى»، وكبرهان على السلوك النموذجي.

لا أستطيع أن أتخيل مشاعر أفراد عائلة بيرغ. ولا بد ان حزنهم يتضاعف مئات المرات عندما يسمعون نظرية المؤامرة التي تقول ان قتل بيرغ ملفق، وإن الشريط بث لصرف الأنظار عن فضيحة أبو غريب.

من، بحق السماء، يستطيع أن يقطع رأس انسان ويصور ذلك ثم يبث الشريط على الإنترنت ؟ أي نوع من الجنون هذا ؟ ما من شخص يستحق مثل هذا الموت الوحشي. ولا يمكن التسامح مع ذلك، ولا ينبغي لأي امرئ ان يربط بينه وبين ما حدث في أبو غريب، أو بينه وبين الاسلام. ما من شيء يبرر مثل هذا السلوك الوحشي. ولا أستطيع أن أتخيل مشاعر الناس الذين أسيئت معاملتهم وعذبوا في أبو غريب. ولا بد أن حزنهم يتضاعف مئات المرات عندما يسمعون نظرية المؤامرة التي تقول ان الأميركيين نشروا صور أبو غريب لصرف الأنظار عن القتال في النجف.

وارتباطا بمتابعة ردود الأفعال في أميركا والعالم العربي خلال الأسبوعين الماضيين، أدهشتني الكيفية التي تستند بها في معظم الحالات الى النرجسية. ان الكثير من الناس أكثر اهتماما بمشاعرهم حول فضيحة أبو غريب المروعة بأسرها، وقد نسوا ان الضحايا الحقيقيين في هذه القضية المرعبة هم العراقيون.

ويدخل كثيرون في العالم العربي في دورة غضب أخلاقي. ونحن نسمع التحليل تلو الآخر من أن الانتهاك والتعذيب هما «اميركيان» على نحو نموذجي. وسؤالي لهم هو: لماذا أنتم مندهشون ؟

هل كنتم تعتقدون أن الأميركيين قاموا بغزو العراق لمنح حقوق الانسان لأبناء البلاد ؟ ذلك أنه اذا ما صدقتم، حقا، بجورج بوش عندما قال انه أرسل قواته لتحرير الشعب العراقي، فان لديكم، بالتالي، كل الحق في أن تندهشوا وتصدموا. ولكن معظم الناس في العالم العربي رفضوا صراحة هذا التبرير للغزو.

هل كنتم تتوقعون أن يتصرف الأميركيون على نحو مختلف ؟ ان غضبكم يشير الى انكم فعلتم ذلك. ولكن ذلك يمكن أن يعني، بالتالي، انكم صدقتم الادارة الأميركية عندما قدمت نفسها باعتبارها مختلفة، وبالتالي أرفع أخلاقيا من الحكومات الأخرى.

أين الغضب الذي يركز على العراقيين، ضحايا هذا الانتهاك والتعذيب ؟ لقد أشار كثيرون في العالم العربي الى فضيحة أبو غريب باعتبارها آخر مثال على اذلال أميركا للعالم العربي والاسلامي. وسيجد مثل هؤلاء الناس أمثلة على آخر اذلال للعالم العربي والاسلامي. ولهم أقول ان حكوماتكم سعيدة عندما تركزون على ما يفعله الأميركيون بالعالم العربي. ولهم أقول أيضا: ركزوا على العراقيين وعلى العراق، على شعب وبلد ما يزالان يعانيان من الصدمة، وتوقفوا عن البحث عن آخر مبرر للقول «لقد قلنا لكم ذلك».

واذا كان أبو غريب «أميركيا» على نحو نموذجي، فهل قتل نيك بيرغ «عربي» أو «مسلم» على نحو نموذجي ؟ وهل التعذيب في السجون العربية «عربي» على نحو نموذجي ؟

لقد خلقت فضيحة أبو غريب رد فعل نرجسي مماثل هنا في اميركا. فالكثير من الأميركيين يدخلون في دورة احساس بالإثم. ونسمع تحليلا تلو الآخر من أن الانتهاك والتعذيب «ليسا أميركيين». وسؤالي لهم، مرة أخرى، هو: لماذا أنتم مندهشون ؟

هل السبب في ذلك هو ان الاعتقاد في ان جنودكم ومسؤوليكم ارفع من الناحية الاخلاقية من جنود ومسؤولي الدول الاخرى؟ اذا كنتم تعتقدون بذلك، فلا بد إذن من انكم لم تكونوا تبدون اهتماما بما يدور في بلدكم. يقول ناشطو حماية حقوق الانسان ان هناك ادلة كثيرة على حدوث انتهاكات داخل السجون الاميركية مماثلة لتلك التي حدثت في ابو غريب من دون ان يكون هناك اعتذار من الرئيس الاميركي.

فعلى سبيل المثال، كتب آلان ايلزنار مقالا بصحيفة «واشنطن بوست» في سبتمبر 1996 ، قال فيه، ان حراس سجن مقاطعة برازوريا بولاية تكساس، اجروا حملة مداهمة على النزلاء بحثا عن مخدرات، وتم تسجيل حملة المداهمة بالفيديو لأغراض تدريبية. ظهر على شريط التسجيل نزلاء اجبروا على خلع ملابسهم والانبطاح ارضا، اذ هاجم كلب للشرطة عدة نزلاء. ظهر على الشريط ايضا حراس السجن وهم يلقون قنابل صاعقة على النزلاء واجبروهم على الزحف على الارض قبل ان يجروا النزلاء المصابين على بطونهم الى زنزاناتهم مرة اخرى. وفي وقت لاحق اضطرت سلطات المقاطعة ومتهمون آخرون الى تسوية الدعوة لقاء دفع 2.2 مليون دولار.

اود ايضا ان اسأل الاميركيين الذين شعروا بالاستياء عن موقفهم تجاه حقيقة ان اثنين من المشتبه في تورطهم في قضية تعذيب العراقيين، وهما الجندي تشارلس غارنر والرقيب ايفان فريدريك، يعملان اصلا حارسين في سجون اميركية.

يعمل غارنر، الذي ظهر في احدى الصور واقفا الى جانب ليندي اينغلاند، خلف كوم من المعتقلين العراقيين العراة، حارسا في مؤسسة اصلاحية بمقاطعة غرين بولاية بنسلفانيا. وبعد عامين من تسلم غارنر عمله في هذه المؤسسة الاصلاحية اصبح السجن التابع لها محل تساؤلات بشان التورط في فضيحة انتهاكات اثر ضرب الحراس للنزلاء وإذلالهم بصورة روتينية. وأشار ايلزنار في مقاله الى ان مسؤولي السجن رفضوا توضيح ما اذا كان غارنر متورطا في هذه القضية.

كتب ايلزنار كتابا بعنوان «بوابات العدالة: أزمة السجون الاميركية». يقول المؤلف في كتابه ان خبراء السجون يرون ان فرص ممارسة الانتهاكات بحق السجناء تتزايد عندما لا تكون قواعد السلوك الخاصة بالحراس واضحة ومباشرة، مع الافتقار الى تطبيق هذه القواعد بصرامة توفير التدريب الملائم للحراس. ويتزايد الخطر عندما يتبع الحراس والنزلاء الى مجموعات لا يجمع بينها رابط كما هو الحال في السجون الاميركية وفي العراق ايضا.

غالبية حراس السجون في اميركا من البيض، فيما يشكل السود غالبية النزلاء. وتقودنا هذه النقطة الى قضية جديدة تستحق تناولا نقديا منفصلا بصدد النظام القضائي الاميركي، ولكن من المهم ان نتذكر ان الكثير من الاميركيين السود وأعضاء الاقليات الاخرى في الولايات المتحدة لم يتفاجأوا بأنباء الاعتداءات والتعذيب التي حدثت في سجن ابو غريب.

اود ايضا ان الفت انتباه الاميركيين، الى ما يحدث في بلدهم باسم «الحرب على الارهاب». ففي حديث لي في قناة بث اذاعي الاسبوع الماضي، اشرت لمقدم البرنامج الى ان ادارة بوش سمحت لنفسها عقب هجمات 11 سبتمبر 2001 بارتكاب الاشياء التي كانت تدين ارتكابها في دول اخرى. فالعرب والمسلمون تعرضوا الى الاعتقال بدون توجيه تهم، فضلا عن حبس مئات الاشخاص في غوانتانامو لفترة تزيد على العامين من دون محاكمة، وحبس مواطنين اميركيين كـ«مقاتلين اعداء» لا يتمتعون بالحماية القانونية المكفولة لبقية المواطنين الاميركيين.

لكنني عمدت الى لفت انتباه مقدم البرنامج الاذاعي، ومقدم برنامج تلفزيوني آخر طلب مني خلاله تفسير رد فعل العرب على فضيحة ابو غريب، الى ان المهم هو التركيز على العراق والعراقيين. غالبية الاميركيين تدرك عدد الجنود الاميركيين الذين قتلوا في العراق، لكنهم لا يدركون عدد العراقيين الذين قتلوا في هذه الحرب.

النفاق العربي حول الاعتداءات والتعذيب والنفاق الاميركي المماثل لن يقودانا الى أي مكان. الاعتداء والتعذيب الذي حدث في سجن ابو غريب ممارسة تنم عن انعدام الضمير، اذ لا بد من محاكمة وعقاب الكل ابتداء من ارفع المسؤولين وحتى الجندي العادي. وأتطلع الى اليوم الذي سيكشف النقاب فيه عن مثل هذه الممارسات والاعتداءات والتعذيب في السجون العربية ويعاقب فيه المتورطون ابتداء من كبار المسؤولين حتى ادناهم.

* كاتبة مصرية مقيمة في نيويورك