في حمى القانون

TT

ظهر الدكتور احمد الجلبي على شاشة «العربية» بعد منتصف ليل اول من امس في «مقابلة خاصة». وسئل ماذا يفعل اذا جاء الاميركيون لاعتقاله، فقال انه يتبع القانون! وقبل ذلك بساعات كان نصف مليون شيعي يتظاهرون في بيروت بالاكفان البيضاء. كما كان القتال في كربلاء والنجف مستعرا مثل باقي الايام السالفة. لكن الدكتور الجلبي متوتر في كرسيه، متفاجئ بما فعله الاميركيون، وباحث بصعوبة عن موطئ الخطوة التالية، قرر ان يسند كوعه لفترة وجيزة الى القانون.

قيل للجلبي ان الاميركيين هم الذين عينوه وان شرعيته منهم مثله مثل اعضاء المجلس الانتقالي، فانتفض غاضبا. وقال انه هو من عيّن نفسه. وقال لمقدم المقابلة الزميل ايلي ناكوزي «افتح اذنك جيداً». ولكن المشكلة ليست في اذن الزميل الشاب. انها في قضية يتابعها جميع الناس منذ اواخر التسعينات. وفي تصريحات مدونة ومسجلة رسمياً للسيد الجلبي. وفي صور احتفالية تذكارية في لندن وفي واشنطن كان يبدو فيها متقدماً الجميع، في قلب الصورة وليس على يمينها او يسارها.

جمعتني قبل اسابيع مقابلة على LBC مع الناطق الرسمي باسم الجلبي. وسألت الزميلة مي شدياق الناطق الكريم ان كان المؤتمر الوطني قد تلقى اموالاً من الولايات المتحدة، فاجاب ابداً. قالت لكن هناك معلومات رسمية حول 330 الف دولار شهرياً توقفت الآن، فقال ابداً! ابداً! مشكلة «الكوبونات» الاميركية انه يجب تسجيلها لأنها تمر على الكونغرس. و«المؤتمر الوطني العراقي» حصل حتى الآن على 33 مليون دولار من وزارة الخارجية الاميركية و6 ملايين من البنتاغون ومن الصديق العزيز السابق دونالد رامسفيلد. والصداقة مع دون وبول وولفوتز وريتشارد بيرل لم تبدأ مع مجيء جورج بوش. بل هم من وقعوا رسالة مرفوعة الى كلنتون تطلب منه جعل الاطاحة بصدام حسين جزءاً من السياسة الخارجية الاميركية.

لكن هذا بالأمس. الآن يرسل دون وبول وجميع من كان احمد يناديهم بأسمائهم الاولى، يرسلون المارينز الى غرفة نوم احمد ويحملون منها الكومبيوتر الخاص. هذه ليست طريقة مثلى للتعامل بين الاصدقاء اطلاقاً. لكنه الطلاق يا عزيزي. وعندما يحدث يأخذ كل فريق ما له: هذه لي وهذه لك! لقد اقنع الجلبي اصدقاء الأمس بأنه سوف يدلهم على مخابئ اسلحة الدمار الشامل. وسوف يسلمهم عراقاً يغني ويصفق لسقوط صدام حسين. وكالعادة تأخر الاميركيون قليلاً في استيعاب الامور. واستشاطوا غضباً عندما سمعوا الجلبي يقول انه هو الذي اسقط صدام حسين مما حمل الشيخ غازي العجيل الرئيس الحالي للمجلس الوطني على القول: «يعتقدون انهم مؤهلون لدور لأنهم اطاحوا صدام حسين. ان اميركا هي التي اطاحت صدام بينما كنا نتناول العشاء امام التلفزيون».

وبمناسبة الحديث عن وجبة العشاء فان زملاءنا الاعزاء مراسلي الاذاعات والفضائيات العراقيين يستخدمون كلمة «وجبة» بحكم العادة كما كانت تستخدم في احكام الاعدام: «اعدام وجبة من الخونة ظهراً وسوف تقدم وجبة اخرى غدا». ويقول المراسلون الآن: «اطلاق وجبة جديدة من سجن ابو غريب». ايها الاعزاء: اطلاق «دفعة» جديدة. او «مجموعة» اخرى. او «عدد» آخر! اما «وجبة» هذه فكان المهداوي يستخدمها للخونة والمارقين والمتآمرين على السيد الرئيس الزعيم الاوحد.