بالغلط في المطبعة

TT

طرح الاستاذ محمد فهمي هويدي في «الاهرام» مسألة الادبيات والسلوك الصحافي. وقال انه في حكم العادة يبدأ يومه بقراءة الصحف، لكنه يفاجأ بأن معظم الكتَّاب ينصرفون كل يوم الى الكتابة عن انفسهم. والداعي لكم بطول العمر يبدأ نهاره ايضاً بقراءة الصحف. وقد اعتدت كل شيء خصوصاً وانني اتناول منذ ثلاث سنوات على الاقل، في المساء، مسكنَّا وصفه لي الدكتور زياد الرفاعي، نجل الحقوقي الكبير حسن الرفاعي. فقد ذهبت اليه بعدما قمت بجولة على مجموعة من اطباء الاعصاب في البلد. ورميت ما تبقى لي من اعصاب على مكتبه، وقلت له، لم يبق سواك. دبّرها! ورويت له ما رواه لي احمد بهاء الدين بعدما ذهب الى مستشفى خاص في اميركا على نفقة الرئاسة المصرية. وقال له كبير الاطباء هناك: علاجك في امرين، الاول ان تهاجر من الشرق الاوسط والثاني ان تتوقف عن الكتابة عنه.

وقال لي الدكتور زياد، هل تستطيع على الاقل تأجيل قراءة الصحف الى ما بعد الظهر؟ وقلت له الاستاذ حسنين هيكل يفعل ذلك، فهل تراها نصيحة طبيب ما؟ في اي حال، مثل محمد فهمي هويدي، لا ازال ابدأ نهاري بقراءة الصحف. وذلك الصباح بالذات قرأته يقول: «لم يعد الكاتب يقدم شيئاً يهم القارئ، وانما هو غارق في ذاته على نحو يسقط من الاعتبار بأن ثمة قارئاً اصلاً، كأنما يحدث نفسه واسرته، الامر الذي يحول المقالة الى رسالة خاصة جداً ارسلت بالغلط الى المطبعة». ويروي هويدي قصة كاتب دخل المستشفى «فقرأنا قائمة زواره من علية القوم. وتابعنا شكره لاخوته الذين قاموا بالواجب وللاطباء الذين اعتنوا به في مشفاه وعرفنا انه سيملي مقالته على ابنته لكي لا يحرم الجماهير منها».

يقول الاستاذ هويدي: «لا يصدق المرء من الناحية المهنية ان هذا كلام يمكن ان تنشره صحف الحائط المدرسي، ومن الاسف ان هذه النماذج متكررة تعكس مدى تدهور الكتابة في بعض الصحف العربية وانا اعرض هذه النماذج على الاجيال الجديدة من الصحافيين باعتبارها نموذجاً للكتابة المرضية التي تحتقر القارئ وتغرق في الذات». ويقول هويدي ان الكاتب المشار اليه دعي الى المانيا لكن بدل الكتابة عنها «شغلنا بالحفاوة التي قوبل بها من مضيفيه وقال في سياق مقال طويل: فوجئت بأن الفندق اختصني بالجناح الملكي لكي اقيم فيه. وصعد معي مدير الفندق ونائبه ليفتحا لي الجناح وهو رقم 334 وسعر الاقامة فيه لليلة واحدة مبلغ 2.412 ماركاً.

يوم الاحد الماضي كتب الزميل عبد الرحمن الراشد انه كان على رحلة من دبي الى جدة وانه ساعد العامل الهندي الجالس الى جانبه في تعبئة استمارة الدخول. مما يوحي بأن الراشد لم يكن في الدرجة الاولى. واذكر مرة ان احد الزملاء هاجم شركة طيران عربية في سلسلة من المقالات لأنها لم تعثر له على مقعد في الدرجة الاولى ووضعته الى جانب «العمال». وفي مرة اخرى كنت في مسقط وكانت هناك سيدة مدعوة ايضاً للمناسبة. وفي المساء شرفتنا سعادتها بالانضمام الى جلسة مساكين في الردهة. وبعد قليل جاء مندوب وزارة الاعلام، فبدأت تعطيه ارشاداتها: اريد مقعداً في الدرجة الاولى. اريد من يستقبلني عندما تهبط الطائرة في الدوحة. اريد من يستقبلني حين اصل الى لندن. اريد...

وقمت قبل ان تكمل. واسرعت الى المغسلة. اكرمكم الله.