نصف نجاح !

TT

قمة تونس واحدة من القمم العربية القليلة التي ستستمر في اثارة تساؤلات حول ماذا كانت قد نجحت ام فشلت ؟ فحجم الغياب الذي لوحظ في بدايتها وزاد مع المغادرة المبكرة لعدد من الزعماء العرب الى الدرجة التي ادت الى حضور عدد قليل الجلسة الختامية يصب في الجانب السلبي عند تقييم نتائجها ودرجة الالتزام بالقرارات التي اتفق عليها.

لكن الاعلانات والقرارات التي اتفق عليها في البيان الختامي للقمة التي عقدت متأخرة عن موعدها الاصلي بأكثر من شهر، نتيجة تعثرها الاولي عندما فشل وزراء الخارجية في الاتفاق على التوصيات والموضوعات المطروحة على القادة، تشكل مفرقا مهما في العمل العربي المشترك، وتتحدث عن قضايا لاول مرة تتطرق اليها قمة عربية.

وقد كان واضحا منذ شهور ان الموضوع الرئيسي الخلافي والمتفجر على اجندة قمة تونس هو قضية الاصلاحات، التي تأتي على خلفية مشروعات اميركية واوروبية مطروحة للاصلاح السياسي في منطقة الشرق الاوسط.

صحيح ان الاعلان الخاص بالاصلاح لم يستخدم كلمة الاصلاح نفسها وفضل استخدام تعبير التحديث والتطوير، لكن النتيجة النهائية ان وثائق القمة تحدثت بشكل صريح عن موضوعات لم تطرح سابقا مثل حقوق الانسان، ودور المرأة في الحياة السياسية والاجتماعية، والمشاركة السياسية في صنع القرار في الدول العربية، ودور منظمات المجتمع المدني. ورغم ان القمة استخدمت مصطلح التحديث والتطوير الا ان الوثائق التفت على ذلك واستخدمت كلمة الاصلاح في اكثر من مكان.

والتطرق الى هذه القضايا في وثائق رسمية للجامعة العربية يشكل في حد ذاته نجاحا للقمة في معالجة واحدة من اهم القضايا التي تشغل شعوب المنطقة، بينما لم تتمكن القمة من وضع تصورات او تحديدات لاليات تحقيق ذلك، كما لم تتمكن من الوصول الى اتفاق واضح على كيفية التعامل مع المشروع المطروح للشرق الاوسط والذي تبلوره واشنطن مع الاتحاد الاوروبي وسيكون مطروحا على قمة الدول الثماني الكبرى الشهر المقبل في الولايات المتحدة بحضور زعماء عرب تمت دعوتهم لحضور القمة.

في جانب اخر تظهر قمة تونس من تحت السطح ان هناك تكتلات جغرافية .. فهناك اتحاد المغرب العربي الذي حضر كل قادته باعتبار ان القمة تعقد في دولة عضو بينما كان مستوى التمثيل الخليجي ضعيفا، وكانت هناك سورية ولبنان في نفس القارب، وهناك الدول التي ليس لها تكتل ما مثل مصر والاردن ثم ليبيا التي رفعت شعار الافريقية، وغادر زعيمها بعد دقائق من الافتتاح معترضا على جدول الاعمال.

واذا كان الحضور والغياب والمقاطعات والمغادرات المبكرة والانتقادات التي ظهرت امس بشأن تغييب رئاسة القمة لمشروعات طرحت في اللحظة الاخيرة (المشروع المصري) وترك التوقيع على وثائق لوزراء الخارجية تضعف من النتائج، فان النتيجة النهائية ليست سلبية، بل على العكس فانها خطوة الى الامام فيما يتعلق بالطريقة التي تعمل فيها الدول العربية مع بعضها، وهي مسألة مفهومة في ضوء جدلية ماهو مطروح، وحقيقة تغيب عن كثيرين عندما يتحدثون عن العمل العربي المشترك وهي ان ظروف الدول العربية نفسها مختلفة، واحتياجاتها تتباين حسب طبيعة مجتمعاتها، والاصلاح في النهاية اذا اريد له النجاح سيكون تنفيذه على مستوى كل دولة، ويحتاج الى موافقة البرلمانات والقوى الاجتماعية والسياسية في كل دولة.