القلق المتزايد من انتشار المواد النووية

TT

الاعلان في الاسبوع الماضي عن اختفاء كميات كبيرة من المعدات النووية كانت قد اشترتها ليبيا سرا من السوق السوداء، وقيام باكستان ايضا بإطلاق صاروخ متوسط المدى من طراز غوري قادر على نقل رؤوس نووية، أثارا مجددا مخاوف العالم الغربي بشأن مخاطر انتشار الاسلحة النووية, خاصة أن باكستان والهند تملكان أسلحة نووية متطورة.

ومن دون الدخول في مسألة حق أي من الدول الاخرى الصغرى في امتلاك مثل هذه الاسلحة, على غرار الدول الكبرى وإسرائيل, فإن انتشارها ووسائل إطلاقها بالصواريخ والقاذفات، يشكل فعلا خطرا على العالم كله بإجماع المراقبين, حتى المحايدين منهم.

بعض الدوائر الاميركية تتهم إدارة بوش بأن الاحداث الاخيرة في العراق, وقبلها في أفغانستان وأميركا, عندما اصطدمت الطائرات ببرجي نيويورك والبنتاغون، شغلتها عن متابعة الخطر الاهم والادهى, وهو إمكانية وصول أسلحة الدمار الشامل الى أيدي ما تسميهم «الجماعات الارهابية».

المخاوف هذه عبر عنها تقرير جديد شامل صادر عن مدرسة كندي للحكم والادارة في جامعة هارفرد أعده خبراء في قضايا التسلح. ونبه التقرير الى الحراسة والامن المترديين في المواقع النووية المنتشرة حول العالم.

وأشار التقرير أيضا الى إنه جرى احتجاز مواد نووية أقل خلال العامين اللذين أعقبا حوادث سبتمبر, مقارنة بالعامين اللذين سبقا ذلك.

وهذا ما يشير الى التقاعس والتلكؤ في ملاحقة تهريب المواد النووية, رغم أن الرئيس بوش تحدث بشدة حول ضرورة تعزيز الامن العالمي لمراقبة حركة المواد النووية ومحاولات تهريبها. لكن يبدو أن الادارة الاميركية قررت أخيرا تسريع جهودها في مكافحة عمليات التهريب, فأعلنت عن رصد مبلغ 450 مليون دولار لاطلاق حملة عالمية لاستعادة المواد النووية التي قدمتها الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي السابق لبعض الدول تحت ستار البحث العلمي. وكانت نتيجة ذلك نشر اليورانيوم المخصب بين 130 مفاعلا نوويا موزعا في 40 دولة, في حين أن الحراسة عليها كانت لا تتعدى بعض الحراس الليليين وأسوار سلكية بسيطة بأقفال عادية يمكن مهاجمتها من قبل أفراد وجماعات صغيرة بسهولة. تقرير جامعة هارفرد يؤكد أن عشرات من هذه المواقع تملك مواد كافية لصنع القنابل النووية, كما أن خطر تسربها الى جماعات خاصة قائم فعلا سواء لانتاج أسلحة, أو لتحويلها الى قنابل بدائية قذرة لاغراض بث الاشعاعات القاتلة منها. من هنا تاتي الحاجة الى آلية شديدة لمراقبة هذه المفاعلات بعين يقظة لا تنام قد تستعين مستقبلا بالاقمار الصناعية والتكنولوجيا المتطورة.

وتبقى روسيا مصدر الخطر الكبير لانها تملك كميات هائلة من الاسلحة النووية القديمة التي يعلوها الصدأ, فضلا عن كميات من المواد النووية المعرضة لشتى أنواع التهريب والسرقة, مع احتمال كبير لرشوة حراسها والقيمين عليها. ثم هناك الالاف من العلماء العاطلين عن العمل بعد انهيار الاتحاد السوفياتي السابق المستعدين لبيع خبراتهم بأبخس الاثمان.

ورغم تعاون واشنطن وموسكو منذ سنوات في برنامج لحراسة المواد الخطرة ومنع تداولها, إلا ان خمس المواد النووية فقط, التي لم تستخدم كأسلحة, جرى تأمينها بإجراءات أمنية صارمة, في حين ظلت الاربعة أخماس الاخرى الباقية بعيدة عن أي مراقبة.

في هذا الوقت أطلقت مجموعة الدول الثماني التي ستجتمع الشهر المقبل حملة واسعة لمنع انتشار أسلحة الدمار الشامل. لكن انطلاقها كان بطيئا ومشوبا بالاخطاء رغم تعهدات الولايات المتحدة بتقديم 10 مليارات دولار, وسبعة مليارات أخرى من الدول السبع الاخرى.

إن التقدم السريع في مكافحة مثل هذا الخطر الداهم يتطلب تعاونا وثيقا بين واشنطن وموسكو بالدرجة الاولى, ثم بين الدول الثماني الصناعية ذاتها لتذليل العقبات والمصاعب التي تقف حجر عثرة في وجه عمليات التفتيش التي تقوم بها وكالة الطاقة النووية في فيينا, والامتناع عن تصدير النظائر المشعة إلا الى الدول الموثوق منها بعد وضع شروط قاسية عليها أملا في حل هذه المشكلة المستعصية حتى الان بشكل حاسم.